هذه سلسلة مقابلات مع جوانا نيوبيرغر أستاذة التاريخ في جامعة تكساس تتحدث فيها عن تاريخ ثورة أكتوبر والأسباب التي أدّت الى قيام تلك الثورة ،وفي هذه الحلقة تتحدث عن ثورة 23 - شباط 1917 التي تعتبر من أهم الاحداث التي سبقت ثورة أكتوبر 1917 باختصار، ما الف
هذه سلسلة مقابلات مع جوانا نيوبيرغر أستاذة التاريخ في جامعة تكساس تتحدث فيها عن تاريخ ثورة أكتوبر والأسباب التي أدّت الى قيام تلك الثورة ،وفي هذه الحلقة تتحدث عن ثورة 23 - شباط 1917 التي تعتبر من أهم الاحداث التي سبقت ثورة أكتوبر 1917 باختصار، ما الفرق بين ثورتي فبراير وأكتوبر؟
حدثت الثورة الروسية التي أطاحت بالامبراطورية في روسيا عام 1917 على مرحلتين. في شباط أُطيح بالقيصر نيقولا الثاني وجيئ بحكومة ديمقراطية ليبرالية إلى السلطة. وفي أكتوبر، أُطيح بالحكومة من قبل الشيوعيين.
و ما الذي أدّى إلى حدوث ثورة فبراير- شباط؟
غالبا ما تكون الأحداث التاريخية الكبرى ناجمة عن مجموعة من العوامل والأسباب التاريخية قد يعود بعضها الى أمد طويل واخرى لم يمضِ عليها سوى وقت قصير. بالنسبة لثورة فبراير - شباط لا توجد عوامل تاريخية تمتد الى فترة زمنية طويلة ، فأسبابها كانت ذات مدى تاريخي قصير ومتوسط.
السبب على المدى الطويل له علاقة بالطبيعة الزراعية الغالبة على السكان والاقتصاد في روسيا. ففي مجمل تاريخ روسيا قبل القرن العشرين، كان 80-95٪ من السكان من فقراء الفلاحين والمزارعين وكانوا بالكاد يحصلون على لقمة العيش من عملهم في الأرض. وبالنسبة لمعظم سنوات الفترة الواقعة بين عامي (1649-1861) فان غالبية هؤلاء الفلاحين كانوا اقناناً يعيشون كالعبيد في الأراضي المملوكة للنبلاء، ومعظمهم كان في فقر مدقع. وحتى بعد أن تم إلغاء القنانة في عام 1861، وهو في الوقت تفسه تقريبا الذي تحرر فيه العبيد في الولايات المتحدة، لم يتخلصوا من فقرهم المُدقع.
استمرت هذه الأوضاع الصعبة التي عاشها الفلاحون لأكثر من قرن من الزمان قبل عام 1917 مما اكسبهم التعاطف والدعم من نخبة المجتمع الروسي التي كانت ذات اتجاهات ليبرالية. وكان ذلك يتناقض مع المعاملة التي يتلقاها الفلاحون من قبل السلطات الحكومية، والتي كانت غير مبالية بحالة الفقر التي كان يعيشها الفلاحون . وأصبحت أعداد متزايدة من المجتمع المتعلم غاضبة لعدم اكتراث الحكومة القيصرية الواضح باوضاعهم أو عدم القدرة على معالجة مشاكل الفقر لدى الفلاحين. كانوا ينظرون الى انفسهم على انهم مثقفون ذوو نزعة انسانية، واوروبيون متحضرون وبدأوا يعتقدون ان الفقر في روسيا هو العائق امام جعلها دولة أوروبية متحضِّرة. وبالفعل وتدريجيا بدأ افراد المجتمع المتعلم ينتظمون في الأحزاب السياسية المطالبة بالتخفيف من حدة الفقر وان يكون لهم صوتٌ في الحكومة – وهذا ما قاد الى أن تكون اسباب للثورة ذات مدى زمني متوسط الأجل ...
والتي هي … ؟
حكم الفرد المطلق. كانت الحكومة القيصرية حكومة مركزية، واستبدادية. وهذا يعني أن جميع السلطة السياسية كانت في يــد القيصر ومستشاريه المقربين وكان للاستبداد حينها بعض الفوائد ، فبالنسبة لإمبراطورية ضخمة ومترامية الاطراف مثل روسيا، تتألف من 120 مجموعة عرقية لا يمكن الا للحكم المركزي ان يسيطر على الاوضاع ، ولكن في القرن التاسع عشر بدأت أقلية متزايدة من السكان الروس في الدعوة إلى ان يكون لها إسهام في اتخاذ القرار. كانوا يعتقدون أنه يجب ان يكون للناس المتعلمون الذين يعرفون ما كان يدور في تلك المناطق النائية البعيدة والذين على اتصال مع المتخصصين في بلدان أخرى، إسهاماً في صياغة السياسات الحكومية.
وكحال الديمقراطيين الليبراليين الآخرين في القرن التاسع عشر، كانوا ذوي تفكير مثالي، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم تحسين المجتمع من خلال تطبيق الأفكار والسياسات الحديثة في الزراعة والتجارة والتعليم والثقافة والعدل والشؤون العسكرية وهلمّ جرا... وجاء العديد من الديمقراطيين الليبراليين من المناطق غير الروسية في الإمبراطورية: كانوا من التتار والأوكرانيين والأرمن واليهود، مطالبين بالمزيد من الحقوق للأشخاص غير الروس أو الاستقلال تماماً عن الإمبراطورية.
و دعوا إلى إصلاح الحكومة، لأنهم يعتقدون في المقام الأول أن الحكومة أساءت التعامل او لم تعالج على الإطلاق المشاكل الاقتصادية والثقافية التي واجهت روسيا حيث كانت تتنافس مع دول أوروبا الغربية في نهاية القرن التاسع عشر. وكان بعضهم مستاءً للغاية من درجة الفقر التي يعيش فيها الفلاحون من جهة ولامبالاة الحكومة من جهة أخرى مما جعلهم يعتنقون الفكر الاشتراكي، وأرادوا إسقاط القيصر وخلق مجتمعات تعاونية صغيرة يتم تقاسم الثروة فيها بالتساوي.
وبحلول عام 1900 كانت هناك أحزاب سياسية من اقصى اليمين المتطرف الذي يدافع عن الحكم المطلق والحكم الروسي لجميع الأعراق الأخرى، إلى الثوار في أقصى اليسار الداعين إلى الإطاحة بالحكومة. وكانت أحزاب المعارضة الأقوى التي يمثلها الديمقراطيون الليبراليون تقف في المنتصف: ، كانت تطالب بالديمقراطية الدستورية: واجراء انتخابات ديمقراطية لبرلمان وطني وضمان الحقوق الدستورية للجميع. ووصلت هذه الصراعات إلى ذروتها قبل 12 سنة من عام 1917. ففي عام 1905 قام مجموعة من عمال مصنع سان بطرسبرج يقودهم الكاهن الأب جابون ، والذين كانوا يعارضون بشكل حاسم الاعمال الثورية بكتابة عريضة إلى القيصر. يطالبون فيها بظروف عمل أفضل واحترام أنفسهم كبشر. وقرروا تقديم العريضة إلى القيصر شخصيا في احد ايام الأحد الباردة من شهر كانون الثاني. وانتظموا في مجموعات في جميع أنحاء المدينة وبدأوا بالسير نحو القصر الشتوي في وسط المدينة
وكيف كانت استجابة القيصر ؟
لقد رفض اللقاء معهم، معتبرا أن معظم شعبه يحبه، ولكن هؤلاء المتظاهرين اصحاب العريضة هم نوع من المتطرفين المتوحشين. لذلك جعل سلطة المدينة في أيدي ضباط جيشه، مع أوامر بمواجهة العمال الفقراء العزل والمسالمين، بوابل من الرصاص. وبحلول نهاية اليوم تُرك المئات من الرجال والنساء ينزفون وسط الثلج. وقد ادى السخط والغضب الشعبي العارم احتجاجا على هذه المذبحة اللاإنسانية الى قيام حركة ثورية وحدت جميع الأصوات المعارضة في البلاد، وفي النهاية توجت نضالها في ثورة عام 1917.
وما الذي كان يميّز عام 1917؟ ولماذا حدثت كل تلك الأشياء فيه ؟
لقد تم القضاء على الحركة الثورية أو على الأقل اضطر قادتها الى الاختباء خلال العقد الذي تلى عام 1905 ولكن اندلاع الحرب العالمية الأولى جعلهم يخرجون إلى السطح مرة أخرى. ولكن حتى قبل ان يعتنق عمال المدن في جميع أنحاء الإمبراطورية الروسية الافكار المتطرفة على نحو متزايد، فان الحرب كشفت عن عجز الحكومة وعدم كفاءتها وازدياد نقمة الناس ومعاناتهم إلى حدٍ كبير. وكانت الأشهر الأولى من الحرب بمثابة كارثة حلّت على روسيا.
أُرسل الفلاحون والعمال إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال من دون أحذية أو أسلحة حتى أنهم كانوا يضطروا إلى انتظار مقتل زملائهم حتى يحصلوا على أسلحتهم ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم. وقد ادرك الناس العاديين انهم يقاتلون بلا سبب. ازداد الجوع وبلغ التضخم معدلات عالية ،وتضاعفت أسعار الخبز واصبح الخبز نفسه سلعة نادرة. ولكن - على عكس الوضع في الدول الديمقراطية في أوروبا الغربية، لم يسمح القيصر للناس بتكوين جماعات خيرية أو جمعيات للمساعدة في توزيع المواد الغذائية (أو أي شيء آخر). كانت الحكومة تقوم بمصادرة(او بالاحرى سرقة) المواد الغذائية والإمدادات لإطعام الجنود. وبدأ قادة الأحزاب السياسية البارزة يدعون إلى وضع حد لحكم الفرد (على الرغم من عدم رغبتهم في الاطاحة بالقيصر نهائيا) وخرجت الناس الى الشوارع للمطالبة بوضع نهاية للحرب.
إذاً، لم يرغب الجميع في إسقاط النظام الملكي ولكن في النهاية هذا ما حدث، فما الذي تغيـّر؟
لقي نيكولا حتفه عندما حاول الهروب من الاضطرابات التي قام بها السكان غير الراضين عنه في سان بطرسبرج وتوجه الى جبهة القتال لإدارة الحرب مباشرة. ولم يكن جنرالات جيشه يريدون ان يتدخل في الشؤون العسكرية ولكنهم وافقوا وعلى مضض على دعوة السياسيين له بأن يتنازل عن عرشه.
في الثالث والعشرين من شباط بدأت مجموعات من النساء المتعبات والمرتجفات من البرد ، وهن واقفات في طابور لشراء الخبز بالتذمر من عدم كفاءة الحكومة، ولأنهن كن يختلطن مع العمال العاطلين عن العمل وعدد كبير من الجنود، والذين لم يكونوا سوى"فلاحين يرتدون الزي العسكري" يرابطون في العاصمة، فان هذا التذمر تحول الى مظاهرات عارمة، كما خرج سكان المدينة كلهم تقريبا الى الشوارع. وعندما دعا االقيصر نيكولا جنوده لاطلاق النار على المتظاهرين، رفض الجنود خشية المزيد من تأجيج الجماهير وأُجبر نيكولا على التنازل عن العرش. وبذلك انتهى حكم سلالة رومانوف الاستبدادي الذي امتدَّ لثلاثمئة سنة ،
عن: الموقع الالكتروني فايف مينيت هيستوري عن جامعة تكساس