adnan.h@almadapaper.net
ربما كان الأسوأ حظاً والأصعب مهمةً بين موظفي الدولة العراقية الحالية، هم موظفو الهيئات الموصوفة بـ " المستقلة"، وبخاصة رؤساءها وأعضاء مجالسها العليا، ذلك أنّ هذه الهيئات من أكثر مؤسسات الدولة تعرضاً إلى الذم والقدح، فالمطلوب منها ومن العاملين فيها أكبر مما يقدرون عليه.
المشكلة الحقيقية للهيئات "المستقلة" أنها جميعاً، من دون أي استثناء، غير مستقلة، فرئاساتها ومجالسها يختارها في الغالب مجلس النواب، لكن المجلس لا يعتمد المعايير المهنية ولا يراعي قواعد الشفافية في اختياراته .. القوى المتنفذة في المجلس تؤلّف اللجان المكلّفة بالاختيار، وهذه اللجان تتشكّل من ممثلي الاحزاب والتكتلات المتنفذة في المجلس، وهؤلاء الممثلون يتعاملون عادةً مع المناصب في الهيئات "المستقلة"، كما مناصب الحكومة، بوصفها غنيمة حزبية وشخصية .. يحرصون على ترشيح الاشخاص "المُطمَأن" إليهم والموثوق بهم .. بعض المرشحين المُعيّنين يمتّون بصلات قرابة لمن يرشّحونهم أو من أبناء مناطقهم وعشائرهم أو حتى ممن لهم ارتباطات بأحزابهم.
الرأي العام يريد من هذه الهيئات أن تعمل بوصفها مستقلة تماماً على وفق ما جاء في مواد الدستور الخاصة وبها وما حكمت به قوانينها.. يريدها أن تؤدي عملها بمهنية من دون انحياز الى جهة سياسية أو مكوّن ديني أو مذهبي أو قومي. الرأي العام له الحق في ما يطالب به، لكنّ رئاسات الهيئات ومجالسها لا يمكنها أن تتصرف على النحو المطلوب، فالعقد غير المُعلن في ما بينها وبين الأحزاب والجماعات التي رشحتها أقوى بكثير من عقدها حيال المجتمع، عقد العمل.الوضع الراهن للهيئات يجعل رئاساتها وأعضاء مجالسها في حال الشدّ والجذب مع الرأي العام والإعلام اللذين لا يكفّان عن انتقاد أداء الهيئات ورئاساتها ومجالسها التي تجهد في الدفاع عن نفسها سعياً في سبيل إثبات ما لا يمكن إثباته، وهو استقلالية هيئاتهم.
إحدى هذه الهيئات، وهي مفوضية الانتخابات، موضوعة الآن في دائرة الضوء الكاشف، عشية الانتخابات المحلية المفترض عقدها بعد ستة أشهر، ثم الانتخابات البرلمانية التي ستعقبها بنحو سبعة أشهر. ثمة مطالبات شعبية وسياسية قويّة بتغير جذري في بنية المفوضية لتكون مستقلة عن حق، فضلاً عن المطالبات بتعديل قانون الانتخابات من أجل إنهاء عملية إعادة الإنتاج الجارية في صفوف القوى الحاكمة بفعل القانون الساري. .. الملاحظ أن مسؤولي المفوضية في حال توتر دائم، مبعثها عدم الرغبة، أو عدم القدرة، على الاعتراف بأن هيئتهم ليست مستقلة تماماً في الواقع، والذنب هو في الأساس ذنب نظام المحاصصة ،الذي يحكم العملية السياسية برمّتها.
لتكون لدينا هيئات مستقلة عن حقّ لابدّ أن تكون القوى والاحزاب الحاكمة بمستوى من الوعي الوطني تدرك معه أهمية وضرورة استقلالية هذه الهيئات، وكي تكون الهيئات مستقلة أيضاً لابدّ ان يكون المُعيّنون في مناصب رئاساتها ومجالسها بمستوى من الوعي الوطني يدركون معه أهمية وضرورة أن يعملوا بمهنية واستقلالية... هذا أمر صعب للغاية، شبه مستحيل، ما دام اختيار رئاسات هذه الهيئات ومجالسها منوطاً بالاحزاب والتكتلات المتنفّذة في مجلس النواب ومادامت المحاصصة، وليس الدستور، هي القانون الأعلى والأسمى في هذه الدولة.