لم يكن لقائي به عابراً كما التقي بفنانين مختلفين خلال المعارض والفعاليات الفنية التي تقام هنا وهناك، فقد كنت أتابع أعماله بشغف منذ أن عرفته خلال بيناليي بغداد الأول والثاني اللذين أقيما في ثمانينيات القرن الماضي بمدينة بغداد، حينها فاز بالجائزة الكبرى وسط احتفاء البينالي والفنانين به على حدٍ سواء، ثم التقيته بعد انقطاع طويل في فعاليات دبي آرت في السنة الماضية، وها أنا أشاركه الآن في ورشة وبينالي سعاد الصباح في الكويت. انه الفنان القطري المجدد يوسف احمد الذي كان حاضراً بشخصيته العفوية واعجاب الآخرين به وبروحه المرحة وأحاديثه الجميلة التي لا تنتهي. أسبوعاً كاملاً من الصحبة والعمل المشترك تجعلك تقترب من هذا الفنان الذي له جاذبية خاصة كما لأعماله الجميلة، حيث نقل الفن القطري الى آفاق واسعة وعَبَرَ بلوحاته حدود بلاده ليوصلها الى العالم.
ابتكر الفنان يوسف احمد تجريداته وعوالمه من عمق ثقافته وطبيعة أرضه، ليدهش بها زوار معارضه ومحبي فنه. قال كلمته عبر خاماته الجديدة، وطرح رؤيته من خلال اكتشافات جمالية لا تنتهي ولا تعرف التوقف، هو الذي عَبَّرَ في كل أعماله عن بيئته التي ولد فيها. ومثل أي رسّام يحب مهنته، ابتدأ هذا الفنان في بداية مسيرته الفنية بالرسم الواقعي، حيث كانت مواضيعه المفضلة هي المهن الشعبية، بعدها بدأ يختبر نوعاً آخر من الفن، مستلهماً طاقة الحروف العربية، وتأثير ما حوله من أشياء وموجودات. وهنا توقف يوسف ذات مرة أمام نخلة بيته في الدوحة، منتبهاً الى ضوء الشمس وهو ينساب من بين سعفاتها بدفء ممزوج بنعومة وشفافية، ليقول لنفسه.... هنا تعيش مواد الرسم، وهنا تكمن معالجاتي الفنية، من هذه النخلة ومن روح بلادي وأرضها سأرسم كل لوحاتي الباقية. وهذا ما حققه بعد بحث وتجريب طويل، تقوده موهبة فذة ومعرفة بكيمياء المواد وتراكيبها، حيث صنع خاماته من سعف النخيل وكذلك من بعض الأصماغ والالوان والمواد المحلية الأخرى، ليخرج لنا بأعمال مدهشة وذات هوية خاصة.
يعتبر الفنان يوسف أحمد من اكثر الفنانين الذين يهتمون بمعالجة السطوح، فتتحول اللوحة بين يديه الى ما يشبه الريليف حيث التضاريس التي تذكرنا بالصحراء أو تحيلنا الى سطح القمر الذي تغني به الفنان كثيراً وأشار اليه في العديد من أعماله الدائرية التي كان ينشد او يستحضر من خلالها عالم خاص وفردوس بعيد وغامض. وسط هذه الأجواء مضى الفنان بخطوات واثقة، يعمل وسط مواد لم ينتبه اليها احد من قبل، ولم يعرها اي رسّام أهمية تذكر، هذه المواد كانت بمثابة النافذة الجديدة التي أطَلَّ من خلالها بموهبته الفريدة وهو ينظر من بعيد الى ذلك القمر الذي منحه كل هذا الغموض والسحر الذي يغلب على جميع أعماله.
وانت تتأمل اعمال يوسف احمد تفكر بشكل عفوي ان تمرر أصابعك فوق سطوح اللوحات لتختبر بنفسك جاذبيتها، حيث يغويك ملمسها الخشن بالاقتراب اكثر من هذه الأشكال المتداخلة والطبقات المتراكمة فوق بعضها، فهو يُغَيّبُ أثراً في هذه الجهة من اللوحة ويُظهره في جانب آخرٍ منها، يحذف ويضيف، يلصق ويمحو، يدعك الورق بيديه ويمرر الأصماغ فوقه، يشطب هنا ويحك هناك، يستدير بخفَّة العاشق حول اللوحة الموضوعة على الارض او الطاولة، فيمرر عليها نظرة من كل الجهات، لتتحول بسحر موهبته الى ما يشبه التعاويذ او الإشارات الغامضة التي تبدو عليها بصمات الزمن، والمليئة بالكثير من الحضور الذي يحيلنا الى قوة الفن والابداع الذي ينبع من الروح والقلب. كل ذلك يقدمه لنا بيدٍ عارفة وأصابعٍ تعرف ما تريده وتبغيه، لتكون النتائج مذهلة في اكتشاف عوالم جديدة ممتعة للبصر ومحفزة على الإلهام.
حين يتحوّل سعف النخيل الى لوحات
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...