TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > سنوات في التشريفات الملكية:اجتماع سياسي عاصف في البلاط الملكي

سنوات في التشريفات الملكية:اجتماع سياسي عاصف في البلاط الملكي

نشر في: 14 فبراير, 2010: 05:44 م

علي عبد الرزاق الهلالي*في صباح يوم 28/1948 اخبرنا نحن موظفي التشريفات الملكية بالاتصال بعدد من رجال السياسة وقادة الاحزاب للحضور الى اجتماع يعقد في البلاط الملكي مساء، كما امر مدير الحسابات في رئاسة الديوان الملكي ان يعد مائدة كبيرة ويحضر شيئا من الكيك واكواب الشاي لكي تقدم للحاضرين بعد انفضاض الاجتماع.
 وحضر السادة المدعوون، حيث عقدوا اجتماعا في الصالة الكبرى برئاسة الوصي وحضور رئيس الديوان الملكي. اما رئيس التشريفات الملكية ومساعدوه وامر الحرس الملكي والمرافقون فقد جلسوا في الغرفة المجاورة لتلقي الاوامر عند الضرورة، والذين حضروا الاجتماع هم السادة: محمد الصدر، جميل المدفعي، حكمت سليمان، حمدي الباجه جي ، ارشد العمري، محمد رضا الشبيبي ، مصطفى العمري، علي ممتاز (نائب حزب الاحرار) محمد مهدي كبه (رئيس حزب الاستقلال) نصرت الفارسين عمر نظمي ، داود الحيدري، صادق البصام، نجيب الراوي، وجلال بابان. وقد لاحظنا في حينه ان السيد كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي لم يدع لهذا الاجتماع. وفي حوالي الساعة التاسعة بدأ الاجتماع السري، اما نحن فلم نكن نعلم ما الذي يجري فيه. *ومن الطريف ان اذكر بمناسبة الاشارة الى سرية الاجتماع وعدم معرفتنا بما يجري في داخل الصالة المجاورة لغرفتنا ان رئيس التشريفات الملكية (السيد تحسين قدري) لما رأى ان الوقت قد جاوز منتصف الليل ولم يخرج من الصالة احد سأل قائلاً: ترى ما الذي حدث في داخل الصالة، هل توصلوا الى شيء ما لا؟ وهنا قلت له: -اذا تريد ان تعرف ماذا حدث في الصالة فأنا حاضر وسوف اعطيك اخر الاخبار.. قال: كيف؟ قلت: انتظر. ثم رفعت سماعة التلفون وادرت رقم جريدة الزمان وطلبت الصديق الاستاذ ابراهيم علي المحرر فيها فلما كلمته سألني قائلاً: هاي انت وين؟ قلت: -انا في البيت واريد ان اسمع منك اخر الانباء. قال: السياسيون عاقدون اجتماعا مع الوصي في البلاط ولما طال الحديث يبدو ان الجماعة (جاعوا) ولذلك خرج الاستاذ صادق البصام بالسيارة الى (الصابونجية) وجلب لهم كميات كبيرة من كباب (الصابونجية) لأجل العشاء، كما جلب معه ايضا بيانات الاحزاب التي صدرت حول الموقف السياسي في هذه الليلة. وهنا قلت: -هذا عن الاجتماع والاكل فماذا عن تشكيل الوزارة. -قال: ان الذي وصل الى عالمنا هو ان الجماعة اصروا على ترشيح (السيد محمد الصدر) ولكنه يعارض ومع هذا فقد (لان) وقبل اخيرا على شرط معاونة الجميع له. -اما الوزراء فالذي علمنا ان حزب الاستقلال سوف يشترك بالوزارة وربما انيطت برئيسه (وزارة التموين) بينما حزب الاحرار رفض الاشتراك بالوزارة ونحن الان ننتظر التطورات. قلت له: شكرا لك يا ابا خليل على هذه المعلومات وربما اتصلت بك لسماع ما سيجد من انباء! *ولماذا وضعت السماعة، كان تحسين قدري وبقية الحاضرين في دهشة ولاسيما بعد ان رأوا ان المخابرة قد طالت فلما قصصت عليهم ما سمعت استغربوا اشد الاستغراب وقالوا يا سبحان الله كيف يحدث كل هذا ونحن لا ندري؟ فقلت ضاحكا. -لقد صح المثل (ان رب البيت آخر من يعلم)! اما تفسير انتشار هذه الاخبار فبسيط وذلك انه لما كلف رئيس حزب الاستقلال وحزب الاحرار بالمشاركة بالوزارة، قالوا ان علينا ان نستشير هيئة الحزب الادارية، وهكذا تصل كل واحد منهم بحزبه وقص ما جرى به من احاديث وتكليف وعن طريق هذا الاتصال شاع في البلد ما جرى بالاجتماع وحيث ان للصحافة اذانا لذلك التقطتها بسرعة! *وفي نحو الساعة الثالثة صباحاً خرج السيد ارشد العمري من الصالة واتجه الى حيث مائدة الشاي، وهناك سألناه عما تم فقال لقد رشح لرئاسة الوزارة السيد محمد الصدر، ثم قلنا من هم الوزراء قال: لقد اصر حمدي الباجه جي على وزارة الخارجية، بينما كنت اريدها لنفسي وبعد اصرار من الطرفين، اقنعت بالتنازل وقبلت منصب وزير الدفاع، واسند منصب وزير التموين للسيد محمد مهدي كبه رئيس حزب الاستقلال اما علي ممتاز (نائب رئيس حزب الاحرار) فلم يشترك تبعا لأمر حزبه ثم راح يعدد اسماء الوزارة واحدا واحد. وبعد ذلك خرج الجميع الى حيث مائدة الشاي، وكانت الساعة تقارب الرابعة صباحا ، وبدأوا بشرب الشاي والحليب وهم يتضاحكون فقد أزيح عن نفوسهم هم كبير بتأليف الوزارة. وهكذا تألفت وزارة السيد الصدر في فجر يوم 29/1/1948 منهية بذلك ازمة سياسية حادة ووضعا حرجا جدا. *ولما جرت العادة ان يأتي رئيس الوزراء الجديد واعضاء وزارته الى البلاط الملكي، بعيد تشكيل الوزارة لمقابلة الوصي، وشكره على التكليف، وتلقي التوجيهات المقتضية فقد حضر السيد محمد الصدر مع اعضاء وزارته الى البلاط، فقابلوا الوصي كان في غاية التوتر النفسي.. ولذلك عندما استقبلهم جلس دون ان يتكلم ، ثم ما لبث ان اخرج من جيبه ورقة وسلمها الى رئيس الوزراء، فلما تناولها واخذ يقرأ ما جاء فيها بدأ عليه الارتباك والتأثر ثم قال للوصي: -ما هذه المفاجأة غير السارة سيدي؟ وما الذي جد حتى تفاجئنا بهذه الاستقالة؟ هل من المعقول ان تتركوا مسؤولياتكم في الوقت الذي تحتاجكم فيه البلاد اشد الحاجة. اذا كان وجودنا هو سبب ذلك فنحن مستعدون لترك الحكم. *وهنا قال الوصي: -بالعكس انا الذي رجوتكم القيام بهذه المهمة ولكنني لم اعد استطيع البقاء في مركز المسؤولية فأختاروا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram