(1)
تاريخياً بدأ المسرح بالشعر إذ عندما تحولت الطقوس الدينية الإغريقية (الديثيرامب) و(الفاليموريا) الى ممارسات دنيوية مدنية بواسطة المدعو (أوربون) الذي أقتبس نصوصاً مسرحية عن ارتجالات قادة تلك الطقوس ، وبواسطة المدعو (ثيسبس) الذي حوّل تلك النصوص إلى عروض مسرحية ثم ظهر كل من (اسخبلوس وسوفو كليس وبوريبيديس وارستوفانيس) ليكتبوا نصوصاً مسرحية كاملة لا تعتمد في شكلها وفي مضمونها على نصوص الطقوس الشفاهية وكان أولئك في الأصل شعراء لذلك كانت نصوصهم المسرحية شعرية . وقد نتساءل: لماذا لم يكتب أولئك نصوصهم المسرحية بالنثر وليس بالشعر؟ فأجبت بأنهم أرادوا أن يرفعوا تلك النصوص إلى مستوى الفن الجميل وقد صنّف الدارسون الشعر كأحد الفنون الجميلة بعد العمارة والرقص والموسيقى والنحت والرسم. وذلك ما دفع أولئك الدارسين ألى اعتبار الدراما (المسرح) فناً جميلاً لأنها كُتبت بالشعر. وبناءً على ذلك فقد حدد (ارسطو) (الغناء) أو النغم او الوزن الشعري وايقاعه كأحد مكونات التراجيديا مع الحبكة والشخصية والفكر واللغة والمرئيات – المنظر وفسّر (ابراهيم حمادة) ادخال ارسطو عنصر (الغناء) الى مكونات التراجيديا لكي تتوافر للحوار ولغتهم قيمُ صوتية ونغمية معيّنة لتكون الرابط الأساسي للنص المسرحي كعمل لغوي بالمسرح كعرض مرئي مسموع . استمر كُتّاب المسرحية عبر العصور المختلفة بكتابة نصوص مسرحياتهم بالشعر ابتداءً من الكلاسيكية إلى الكلاسيكية الجديدة مع راسني وكورني وأل الرومانتيكية مع هوغو وشيللر ومارلو شكسبير إلى أن حلّت الواقعية فكان لا بدَّ لكاتب المسرحية أن يتخلى عن الشعر ويتحول إلى النثر لكي يكون اسلوب الحوار بين الشخصيات الدرامية اقرب إلى ما موجود في الحياة الواقعية طالما أن الشخصيات مقتبسة من الحياة وكذلك الافعال التي تحدث في بيئة واقعية وهكذا كانت نصوص مسرحيات ابنس وشترندبرغ وجيكوف وغروكي وهوتيمان وغيرهم من الواقعيين .
لم تمض أكثر من ثلاثين سنة على هيمنة الواقعية على الساحة الفنية حتى ظهر معارضوها وفي المقدمة كان الرمزيون الذين ناهضوا الواقعية لكونها في نظرهم، ابتعدت عن محيط الفن والابداع وان حددوها الضيعة وكان الشاعران (ادغار الن بو) و(جارلس بودلير) من أول الرمزيين الذين أتهموا الواقعية كونها تحدد نفسها بما هو تافه وقبيح وتتحاشى المثال والنموذج الجمالي، ولكونها تركز على التفاصيل الخارجية دون الدخول إلى أعماق النفس البشرية ، ولكونها تعتمد الأمور المادية ولا تهتم بما هو روحي، ولكونها تؤمن بالقضاء والقدر. وبتأثير الشاعرين المذكورين عاد الشعر إلى كتابة المسرحية بواسطة (ملارمه) و(كلوديل) و(مترلنك) و(دايلد) ثم إلى مسرحيات (تي أس ايليوت) صاحب مسرحية (جريمة قتل في الكاتدرائية) عام 1935، و(كوكتيل بارتي) 1949، ومسرحيات (كريستوفرفراي) صاحب (السيدة ليست للحرق) 1949 و(باحثة الشمس) 1970.شهد المسرح العربي كُتّاباً للمسرحية الشعرية وفي مقدمتهم (أحمد شوقي) ومسرحياته (مجنون ليلى) و(مصرع كليوباترا) و(عنتره) و(قمبيز) وغيرها . ويبدو ان (شوقي) أراد أن يحاكي شكسبير في كتابة المسرحية الشعرية عندما كتب كل من (مجنون ليلى) التي تحاكي (روميو وجوليت) وكتب (مصرع كليوباترا) ليحاكي بها (انطوني وكليوباترا) .
وفي العراق كتب (خالد الشواف) مسرحيات شعرية ليحاكي كتابات (شوقي ) على ما أظن ونذكر منها (شمسو) 1952 و(الأسوار) 1956 و (الزيتونة) 1968 و(قرة العين) 1988 وجميع تلك المسرحيات تتعرض لموضوعات تاريخية عدا الأخيرة فهي من نوع الكوميديا المنزلية.
المسرح الشعري وشعرية المسرح
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...