تفاءل الجميع بعودة السفارة السعودية الى بغداد بعد مطالبات وإلحاح عراقيين تجاوزا حدود البروتوكول والعرف الدبلوماسي في العلاقات الدولية.
قالوا وقتها إن السفير السعودي من خلفية عسكرية، وحذروا من ماضيه في لبنان، قلنا لعلّه يذيب الجليد مع بلاد الحرمين، ويفتح صفحة جديدة على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة.
لكنّ هذا التفاؤل لم يصمد سوى أسابيع، وإذا بالسفير "الجنرال" يخرج علينا بمقابلة صحفية نارية أعادت العلاقات إلى نقطة الصفر مرة أخرى. وفاقم ذلك، استمرار السفير "المطرود" بمهاجمة القوات الامنية والحشد الشعبي وتلفيق الاتهامات ضدها اثناء معارك تحرير الفلوجة والرمادي. كما شارك السبهان بشكل واضح في تضليل الرأي العام الدولي عبر فبركة سيناريو الاغتيال الذي زعم انه يستهدفه رغم اقامته في قلب المنطقة الخضراء شديدة التحصين!
أيضا فإن الترقية التي حصل عليها السبهان كوزير مفوض لقضايا المنطقة، وهي سابقة في تاريخ الدبلوماسية السعودية، أرسلت رسالة سلبية للعراقيين باعتماد مواقف السفير كسياسة خارجية للرياض.
لقد واصلت الحكومة العراقية منذ 2003 سياسة الأيادي الممدودة لدول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية نظرا لتأثيرها المباشر في العالمين العربي والاسلامي. لكن من دون ان تتلقى ردّا مناسبا.
اليوم يعود التفاؤل مرة اخرى على خلفية اول زيارة يقوم بها مسؤول سعودي رفيع الى العراق منذ اكثر من ربع قرن. فكما اعتبر افتتاح السفارة السعودية في بغداد خطوة لإعادة تجسير العلاقة مع العراق، هناك توقع بان تؤدي زيارة الجبير الى تمتين هذه العلاقة، وإخراجها من النفق المظلم الذي تراوح فيه منذ الاطاحة بنظام صدام.
للأسف يجب الاعتراف بقصور وتقصير دبلوماسيتنا العراقية عن توضيح المواقف الرسمية للجانب السعودي الذي يعاني من تشويش في الرؤية حول مجمل التطورات في العراق. فإطلالة بسيطة على الإعلام السعودي، ومواقع التواصل الاجتماعي التي ينشط بها السعوديون، تكشف لنا حجم التحريض والكراهية التي تُوجّه لطيف واسع من العراقيين لأسباب طائفية محضة.
بالتأكيد فان إعادة تطبيع العلاقات لن يتم بالزيارات الرسمية، وإن كانت مطلوبة ، لأن ربع قرن من العلاقات المتوترة بحاجة لتوضيح حزمة من الحقائق التي أستبعد ان يكون الجبير قد سمعها من مضيّفيه العراقيين.
في صدارة هذه الحقائق الواجب إيضاحها للجانب السعودي، ان العراق لم يعد عراقا مركزيا، لذا فان انتظار موقف موحد من بغداد لم يعد أمرا ممكنا. فالتعددية السياسية في العراق تسمح بوجود أطراف معارضة ومناوئة للسعودية، الى جانب أطراف تدعو للتحالف مع السعودية، لكنّ المعيار هو الموقف الرسمي للحكومة. وهذا بخلاف الوضع في السعودية التي تدير مواقفها الرسمية وغير الرسمية سلطة مركزية.
ثاني هذه الحقائق، ضرورة الكفّ عن اللعب بورقة المكونات، وتحريضها بعضها على البعض الاخر بطريقة وأخرى، لأن ذلك لن يهدّد العراق وحده، بل ستمتد نيرانه الى السعودية وباقي دول المنطقة.
من هنا فيجب التأكيد على إن الحرب ضد الارهاب، ليست حربا شيعية ضد السنّة، لأن معارك الموصل وقبلها في الفلوجة والرمادي ومناطق اخرى، جرت وتجري بين دولة تريد فرض سيادتها على كامل أراضيها وحماية مواطنيها من إرهاب عابر للحدود.
ثالث تلك الحقائق، أنّ شيعة العراق لا يتكلّمون الفارسية ولا يتعاملون بالتومان الإيراني. كما أنهم مسلمون يزور الملايين منهم السعودية، لأداء مناسك الحج والعمرة كباقي أُمّة محمد. وهناك حاجة ملحّة لايقاف التحريض الذي يطالهم.
ورغم العلاقة الوثيقة بين شيعة العراق وطهران، إلا أن بناء علاقة مماثلة مع ابناء هذا المكون ليست مهمة مستحيلة. لكنّ ذلك مشروط بوقف الهجوم الإعلامي على العراقيين، وحظر فتاوى التحريض التي تنطلق من المؤسسة الرسمية في السعودية.
النقطة الأخيرة إذا ما تمّت مصحوبة بنوايا صادقة، فيمكن اعتبارها منطلقا حقيقيا لموازنة علاقة بغداد بطهران، التي طالما أثارت ريبة النظام السعودي وبقية دول الخليج.
لسنا بحاجة للريال السعودي، بقدر حاجتنا لفهم سعودي لعراق مختلف.
ما لم يسمعه الجبير فـي بغداد
[post-views]
نشر في: 27 فبراير, 2017: 06:21 م