TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم ربيـع.. عن الحرب وضياع الهوية

فيلم ربيـع.. عن الحرب وضياع الهوية

نشر في: 2 مارس, 2017: 12:01 ص

رغم مرور أكثـر من ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، الا ان ما تركته من أثر على البنية الاجتماعية ما زال ماثلا في كل جنبات المدن والضيع والقرى ، جروح غائرة مكانها نفوس الناس الذين عاشوا المأساة ، ومعرفة مبكرة لضحاياها من الجيل اللاحق ، بعمق

رغم مرور أكثـر من ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، الا ان ما تركته من أثر على البنية الاجتماعية ما زال ماثلا في كل جنبات المدن والضيع والقرى ، جروح غائرة مكانها نفوس الناس الذين عاشوا المأساة ، ومعرفة مبكرة لضحاياها من الجيل اللاحق ، بعمق مأساة ما جرى.

العديد من الأفلام اللبنانية تصدت لموضوعة الحرب وأثرها على المجتمع مثل ، الحروب الصغيرة ، وخارج الحياة ، لمارون بغدادي، وبيروت الغربية لزياد دويري، وهلا لوين ، لنادين لبكي… إضافة الى عدد من الأفلام الوثائقية .
ليأتي المخرج فاتشي بولغورجيان ، متناولا ذات الموضوع  ،ضياع الهوية تيمة لفلمه " ربيع " الذي عُرض في مهرجان دبي السينمائي الـ13 ونال استحسان واعجاب الجمهور ، طارحاً كمّاً كبيراً من الأسئلة التي تبحث في عمق الهوية  وحقيقية الانتماء .
الشاب ربيع " بركات جبور " ضرير يعمل مع احد الفرق الموسيقية ، يعيش مع أمه " جوليا قصار " فازت بجائزة أفضل ممثلة عن دورها هذا ، وخاله " توفيق بركات " لا شيء ينغص عليه حياته ، بسبب كمية الحب التي تحيطه ،سواء من أهله او أصدقائه ، مستمتع في دراسته وعمله كموسيقي وقارئ ومطرب موشحات كذلك ، لكن كل ذلك يتداعى بلحظة اكتشافه ان كل الذي حوله ليس سوى مجرد حلقة عطف لصبي أعمى ، خلّفته الحرب ، من دون ذكر او معرفة بنسبه او المدينة او القرية التي ولِدَ فيها ، الاكتشاف جاء بعد ان تتلقى الفرقة الموسيقية التي يعمل فيها دعوة لعمل جولة في أوروبا، وينبغي على ربيع ان يستخرج جواز سفر ، فيكتشف ان بطاقته الشخصية مزوّرة ، ولولا كونه أعمى لسُجن بسببها ، خاله المتنفذ بعض الشيء ، هو مَن زوّر له الوثيقة ، كذب الأم ومحاولتها إقناعه بأن خاله سيخرج له بطاقة شخصية حقيقية ،ومن ثم جواز سفر لا ينفع ولا يحد من قلقه ، وطرحه الأسئلة العديدة عن هويته وأصله ، وحقيقية نسبه ، ليكتشف ان لا الأم أمه ، ولا الخال خاله ، ولا المدينة مدينته ، من أين جاء إذن ، ليبتدئ رحلة بحث لا تعطيه أجوبة ، بل تعطيه يقيناً كاملاً ان لا أجوبة لأسئلته ، بل يتعرّف على حجم وحقيقة ما جرى ، وبشاعة المعارك وما خلّفته ، في بلد مهدّد بأن تندلع حرب أخرى فيه في أية لحظة ، بلد مبعثر .
" ليس أنت ، يا موطني ما ترسم خارطة ، ترسم كرسي وعلم وحدودك ، لمخبطه " بيت الشعر الشعبي هذا ، كتبه عراقي ، أدرك هو الآخر حجم الخراب الذي يعيشه العراق ، وفقدان روح المواطنة التي سببتها الحروب ، ومات بعد كتابته كمداً .
بعد رحلات عدة لمختلف القرى والضيع ولقائه بالعديد ممن قد يتوفرون على معلومة ما قد تقوده الى معرفة حقيقية هويته ، وأهله ، او على الأقل مدافنهم ، كونهم ربما ماتوا في الحرب
شيخ الضيعة ، لا يتعرف عليه ولا يتذكر شيئا عن أهله ، بل لا يعرفهم ، يشعر بالإحباط نتيجة ذلك ، وكلام الشيخ الذي لخص الكثير " كثير جيوش أجوا وفلوا " بمعنى تقاتلوا ودمّروا كل شيء من اجل لا شيء ، فلم تأتِ هذه الحروب وجنودها إلا بالخراب ، ولم تُبنَ بناية جديدة بعد الحرب.
في النهاية يستسلم ربيع لواقع الحال ، ويعرف حقيقة وضعه الجديد ، لكن الشاب الأعمى ، اصبح يبصر ، ما حلَّ بوطنه ، فهل يبصر الوطن وناسه  خطورة الحرب ؟
فلم ربيع ، لا يحتاج الى تأويل لنصه المرئي ، كونه يأخذنا بمباشرة واضحة الى الحدث ، ولكن بشكل مدروس ، هنا لا مفاجئة ، بل هنا دفق حزن كبير ، ربما نكون متعاطفين مع ربيع الضرير ، او ينتابنا الحزن على بلد ، كان في يوم ما من أجمل البلدان العربية  ، لكن التعاطف والحزن لا يجدي دائما ، وكذلك يطرح علينا مجموعة أسئلة ، وان تكن غير مباشرة ، هل يمكن للأم البديلة ان تكون بذات حنية الأم " البلاد البديلة ، الغربة في ذات البلد ، ماذا عن تساؤل الآخرين عن نسب او انتماء شخص ما الى أي ارض ، من اين جاء ؟ وهي بذات الوقت الأسئلة ذاتها التي يطرحها ربيع طوال مدة الفلم .
اختيار بولغورجيان لممثل ضرير حقيقي، ساعده كثيرا في إيصال رسالة فلمه ، فاختيار بطل أعمى لم يأتِ اعتباطاً ـ بل فيه دلالة الإشارة الى  العمى الذي يصاب به الجميع وقت اندلاع الحروب-  خصوصا الأهلية منها .
فلم ربيع فاز بجائزة الجمهور ضمن «أسبوع النقّاد» في «مهرجان كان السينمائي» 2016 ، كذلك   جائزة اكتشاف موهبة جديدة عن الفيلم الروائي الطويل الأول في «مهرجان نامور للفيلم الفرنكوفوني» في بلجيكا.
لن يكون فلم بولغورجيان ، الفلم الأخير الذي يتناول موضوع ضياع الهوية وأثر الحروب على المجتمعات ، فالموضوع يحتاج الى الكثير من الأفلام ، ونتمنى ان تكون بذات الجودة التي كان عليها فلم ربيع .
ربيع من إخراج فانشي بولغورجيان ، تمثيل ، جوليا قصار ، بركات جبور ، توفيق بركات  وميشال اضباشي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"ذو الفقار" يستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية

مالية البرلمان تحدد أهداف تعديل قانون الموازنة

نائب عن قانون تعديل الموازنة: من المستبعد إقراره خلال جلسة الغد

مفاجأة مدوية.. نائب يكشف عن شبكات تتجسس على المرجع السيستاني

برلماني يصف الوضع السوري بـ"المعقد": العراق يسعى لحماية مصالحه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram