(1)يبدو أن السينما يجب أن تكون طبيعية ، في الحقيقة وصلت للحد في القول إنني لو رغبت التعبير عن عامل نفايات من خلال السينما سأتناول عامل نفايات واقعيا وأقدّمه جسداً وصوتاً .. مورافيا ضحك من ذلك ، نعم السينما طبيعية ، طبعاً ، وهكذا هي طبيعية ، لكن السين
(1)
يبدو أن السينما يجب أن تكون طبيعية ، في الحقيقة وصلت للحد في القول إنني لو رغبت التعبير عن عامل نفايات من خلال السينما سأتناول عامل نفايات واقعيا وأقدّمه جسداً وصوتاً .. مورافيا ضحك من ذلك ، نعم السينما طبيعية ، طبعاً ، وهكذا هي طبيعية ، لكن السينما صور وانها فقط عندما تقدّم عامل نفايات بلا كلمات (هكذا وبكياسة ) وإنك تستطيع ان تصنع سينما بطريقة ما غير طبيعية؟ ولقد أجبته : على الإطلاق ، السينما (سيميائياً) تكنيك سمعي مرئي ، وإذن فإن عامل النفايات هو بلحم وعظم وصوت ، قال مورافيا : أوووه ،أوووه، الواقعية الجديدة.
نعم عندما أصنع سينما ، ليس واحداً من أفلامي بشكل خاص ولكن أصنع سينما بشكل عام ، اذا كان عليّ ان أعبّر عن عامل نفايات فأعبّر عنه بتناول عامل نفايات واقعي مع تعابير وجهه الواقعية ، جسده ، ولغته التي يتحدث بها ، تدخّل برتولوتشي قائلاً : أوووه لا لا ، حين تعمل ذلك خطأ ، لماذا تجعل عامل النفايات يقول ما بوده أن يتحدث به مع نفسه ؟ أنت تستخدم لسانه لكن عليك ان تضع فلسفة فيه ( متبعاً رؤية غودار طبعاً ) ، وهنا وصل النقاش الى نهايته ، فليس هناك مَن يقدر أن يحيد مورافيا عن اعتقاده بأن السينما صور ، في حين انها طبيعية بنفسها في الوقت ذاته ، ولا أحد بمقدوره المحاولة لمناقشة برناردو برتولوتشي حين يقول : إن على عامل النفايات ان يتكلم مثل الفلاسفة . ولكن دعنا نفترض ان الجمهور عرض عليه عامل نفايات صامتا ، عامل نفايات هكذا هو صوره ، فكيف سيتعرّف الجمهور عليه ؟ لأنه عامل نفايات في الواقع ، يعاد تقديمه ، أنه الانسان في شخص حيث عليَّ ان استخدمه إذا رغبت في التعبير عنه ، حتى في هيئة صورة ، الآن بعد ذلك دعنا نفترض أن عامل النفايات هذا يتحدث مثل (هيغل) ، حسناً ، إنه عامل نفايات يتحدث مثل هيغل لم لا ؟ ففي الواقع أقول كيف أن المسألة غير عادية حيث لا يمكن ان يكون هناك عامل نفايات يتحدث مثل هيغل ، فيقول ( الفرضية ونقيضها) مثل عامل النفايات الذي يقول ( اللعنة عليك) ، وبذلك هو شخصية في الحياة الواقعية ، والسينما تقدم كليهما بالضبط ، كما هما ، في هذا التصوّر ان السينما طبيعية بشكل حتمي ، ولكن من أين يأتي كل هذا الخوف من الطبيعية ؟ وماذا يخبيء هذا الخوف إذا لم يكن الواقع نفسه ؟ أوليس أن العقول البرجوازية تخشى الواقع ؟ أنا أقصد بالواقع العالم الجسدي والاجتماعي وفيه كلنا نحيا ، فأي كان أحد ما يعبّر عن نفسه من خلال أي نظام للعلامات يقدر في التحليل الأخير يفسر الواقع (أما من خلال الرموز الدلالية أو الرموز الاستعارية) تأريخياً فحسب وواقعياً بعدئذ ، فما هي صورة عامل النفايات التقية هذه ؟ هل هي فكرة الجمالية لعامل النفايات في عقل برجوازي ليس لديه في الواقع ما يفعله ، مع ذلك التأمل ، فعامل النفايات الآخر الذي يتحدث الجدلية ، التي هي مشكوك بصحتها ونموذجية أو مثالية ، فهو في خدمة البرجوازي الذي ليس لديه ألفة معه ، وهذا يعني أن الرابطة بين البرجوازي وعامل النفايات ممكن أن تكون فقط رابطة عاطفية كتلك التي بين الانسان والكلب ، فنحن البرجوازيون كلنا عنصريون ، ويستثنى من ذلك إنني لا أرغب بذلك ، فانا لا أريد عامل نفايات يكون عامل نفايات ، ليس كالصورة البدائية التي أجدها سارة ولا واسطة للفلسفة التي اجدها ممتعة .
إذن عامل النفايات في السينما هو نفسه في الواقع ، وحيث ان السينما تكنيك سمعي مرئي فان عامل النفايات في السينما يظهر نفسه متحدثاً بالضبط كما في الواقع ، لكن ماهو عامل النفايات في فيلم خاص ؟ السينما هي تتابع لا نهائي للاشكال (حيث ينبغي ان أقول انها دزينات من الوقت ) وانها نسخة طبق الأصل لمعيار لا منتهي بصيغ واقعية ومثالية ، جهاز غير مرئي يقدم بالصيغ الفعلية والمثالية الكاملة للإيماءات ، والافعال، والكلمات لانسان من اللحظة التي ولِدَ فيها الى التي يموت فيها ، فعامل النفايات في فيلم خاص هو عامل نفايات ميت ويتميز عن عامل النفايات في السينما الذي يكون فيها حيّاً ، فاللحظة التي يموت فيها في الحقيقة هي حين يحدث كمكون صاعق لامتداد حياته ، آلاف من الأحداث والتعابير والأصوات والمواد الصوتية والكلمات ذهبت للابد ، وليس هناك ، ليس أكثر من عشرات وآلاف قليلة على قيد الحياة ، فالعدد الهائل للكلمات التي قالها صباحاً وظهيرة ومساءً من حياته ضاعت في هاوية صامتة غير منتهية ، لكن تعقباً لهذه الكلمات توانت بأعجوبة ، انها نقشت في الذاكرة مثل حلم ساخر ، فهي عرضت للابد في ضوء النهار أو في الظلال الجميلة للأماسي ، زوجته ، أصدقاءه ، عندما يتذكروهن تسكب دمعة ، في فيلم خاص معيّن تترسخ هذه الكلمات ، طبعاً إنه من الطبيعي اختيار عامل نفايات باللحم والدم ، واقعي كأيّ واحد منا ، هو واقعي في اللحظة التي فيها نكون أحياءً بكلماته ولغته وتلفظه الخاص به ، لكن مهمتنا هي اختيار الكلمات ذات الصلة بالموضوع والتي بالمصادفة قد أحيت الكارثة .
فأوديب ميت ، والموت كرس بشكل كامل ، وهي رواية غير قابلة للتعديل ما كان عليه في وقته ، الآن ، فالموت هو الشرط الضروري لكتابة قصة عن حياته ، بقدر ما يجمع فيلم أو يؤلف فيلم عن حياته ، فما هو المعيار الذي استخدمته لاختيار اللحظات التي تحكى في حياة أوديب ، أو موت شخصية لم تكن حيّة ؟
أنا أيضا مثل مورافيا وبرتولوتشي برجوازي ، وفي الحقيقة أنا برجوازي صغير تافه ، عارف أن رائحتي النّتنة ليست مجرد عطر عبق بكن في الحقيقة هي العطر الوحيد في العالم ، وبعد ذلك منحت مواصفات الجمال والطرافة ، المواصفات النموذجية لعقل برجوازي صغير ، ان هذا ليس اعترافا عاديا ولكن بوضوح وبساطة بيان للحقيقة وهو ليس عفوي تماماً ، اذا ترغب عن طريق جماليتي وطرافتي ، من جانب آخر ، انه يلزم الاعتراف بأن البرجوازي الصغير لا أكثر ولا أقل من إنسان ، وقد ورث عن الانسان فكرة الزمن ، إنها حكاية أسطورية وفكرة الزمن هذه لم يؤسس عليها حياته ، تدبيره ، تنبؤه ، احترامه ، وأخلاقه .... الخ ، ولكن فنّه كذلك ، فلقد أضاع المسيح وقته في النصح ولم تكن هناك حاجة للتفكير في المستقبل ، فافكار الغد والأمس مجرد مؤشرات ثابتة في عقولنا نحن البرجوازيون ، بخلاء ، عنيدون ، متعاقلون ، حريصون ، حكماء ووضيعون ، في حين يعتبر الامس كأساس المؤسسات والتقاليد ، التأسيس الكلي الذي نستخدمه كنقطة البداية للوصول لأهدافنا الجميلة (كل هذا حدث في أزمان السلام الذي لأجلها نحن الفقراء المسالمون دائما نُقاتل) لكن دعنا نعود الى السينما ، السينما هي انتاج تتابع غير منتهٍ من وجهة نظر خاصة للواقع ككل والتي تعتمد بعد ذلك بشكل مباشر على مفهوم الزمن . انها وفقاً لنفس القوانين كالحياة نفسها ، قوانين الخيال ، توضع في كلمات تبدو غريبة ولكننا يجب ان نتقبّل هذا الخيال ، لأن أيّاً يكون (كالانسان الشاعر وليس القس) لا يتقبلها في مجال الحركة على مستوى الواقع الأعلى ، ويخسر الاحساس بالواقع معاً ، وإذن فإن الواقع يتكون ليس بآخر غير الخيال ، الجمالية والطرافة ، إذن أشرفت على اختيار الحركة في حياة أوديب تلك التي تعززت قيمتها بعد موت البطل ، وهذه الحركات تبعت واحد الآخر وعلى الأغلب متوافقة على نفس النظام المؤقت كما في حياته ،لكن على فترة زمنية أقصر وغير متناسبة أو بالاحرى من خلال ردود فعل الفنان واجراءات التحرير المتوفرة ، الاجمالي التركيبي للتجربة ، في هذه الحالة أنا ألفت الأُطر الأكثر طريقة سينمائية من المعتاد ( لا أعرف انها قد اصبحت جميلة أو قبيحة لكن ما حاولت فعله هو جعلها جميلة لتتلاءم مع المكونات الجمالية ) ولقد استخدمت كذلك تكنيك الانفصال عن الاحداث المصوّرة ( نأخذ على سبيل المثال عيون أنجيلو عندما يرى الفينكس مبتسماً ومنتهكاً قدسيتها بطرقة كوميدية على الأغلب ، لكن في نفس الوقت جعلتنا عيونه في شك وتجاهلتنا بشكل مؤثر كأي شعور للارتباط بعناصر الحكاية الاسطورية) هل ولدنا من سيرفانس و أريسيوتو (وكذلك مانزوني) والتراجيديا ؟ لم نكن نريد تقديم مأساة أوديب للحياة ، أهي مأساة قاهرة كلياً ؟ انها هناك نوعٌ من التراجيديا فيها ، وبالرغم من كل شيء حيث القاسم المشترك الشائع لكل من الجمالية والطرافة ، وهو الخوف من الموت ، وهكذا فإن البرجوازية تستطيع دائماً بشكل غير قانوني أو شرعي أن تسمي انفسهم مسيحيين حتى عند نسيان المسيح والتفكير في لاشيء سوى الغــد .
كم تمكنت من الحفاظ على حالة العقل الضرورية للجمالية ( التأمل والتذوق الخامل قليلا للجمال) والطرافة ( الرغبة بالحفاظ والابتسام ، بغض النظر عن ذلك ، على الرغم من ان عيوننا مليئة بالحزن). في مراكش عندما نصوّب بالطريقة التي ينبغي ان نصوّب بها ، ما لا أعرفه ، السبب الآخر لمَ كان الظلم قد أُصيب بالجمالية ؟ والطرافة هو أني لم أعد مهتماً كثيراً بمواضيع فرويد وماركس ، ولم أعد على الإطلاق مرتبطاً جدياً بذلك المستنقع الأكاديمي الذي حول أوديب الى العمود الضارب لنظريات الفرويدية والماركسية ، حقيقة عند نهاية الفيلم سيكون بود فرويد الخروج بمؤشرات أكثر من ماركس، في حين ينصرّف أوديب ليخسر نفسه في حقول الخشخاش الخضراء والمياه التي رضع منها حين كان طفلاً ، لكن الأكثر من فرويد هو أوديب عند كولونوس الذي أشار الى فكرة مشابهة أو على الأقل مزيج الفرويدية والسوفوكليسية ، فالاخير برز بشكل أقوى ، دعنا نكون واضحين عند هذه النقطة ، فأنا اعتبر أوديب عند كولونوس الأقل رأفة أو كياسة قياساً الى تراجيديات سوفوكليس ، وفي الحقيقة باعتقادي ،قطعاً ، عند ذلك فحتى الآن يتكون من اثنين الى ثلاث قطع توصف بأنها مجرد تحفة فنية أو منتهى الجلال والرفعة ، انها تلك التي نشير اليها ، بقدر ما حرص فرويد فلم يعر اهتماماً في الفلم أكثر من كونه اعطاه هاوياً.