TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مدنيّون بعمامة وعباءة نجفيّة

مدنيّون بعمامة وعباءة نجفيّة

نشر في: 1 مارس, 2017: 09:01 م

سيذكر مؤرخو تاريخ العراق المعاصر واقعة جامعة واسط كلحظة مفصلية في سياق مسار الاحتجاج الشعبي والسياسي ما بعد 2003.
فبعد عامين من تحالف مرتبك جمع التيارين الصدري والمدني، وضعت حادثة الاعتداء على موكب رئيس الوزراء من قبل بعض طلبة جامعة واسط، هذا التحالف في مفترق طرق.
وبعيداً عن التقييم الشخصي لحادثة الجامعة وخلفياتها، فإنها تمثل متغيّراً جوهرياً في حركة الاحتجاج، يفرض على اطراف التظاهرات إعادة ترتيب الاولويات التي التقت ذات صدفة في صيف 2015.
فمنذ الإعلان عن ولادة هذا التحالف، عبر التظاهرات والاجتماعات المشتركة، والتوازن مفقود بين أطرافه سواء على مستوى الرؤية او حتى التحشيد الشعبي.
لقد عزز فيتو زعيم التيار الصدري على أي حراك يخرج عن عباءته، التحذيرات التي اطلقناها وقتذاك من مخاطر صفقات التخادم على مستقبل المعارضة المجتمعية لمظاهر الانحراف والفساد في بنية الدولة ومؤسساتها.
كان واضحا وقتها، بشكل لا يقبل الشك، المسارات المتباينة لكلا التيارين. إلا أن الاطراف المعنية فضلت الانخراط بتحالفات هشّة يستعير بعضها خطاب الآخر بهدف تمشية عجلة التظاهرات الى مصيرها المحتوم، كما هو الحال اليوم.
أولى بوادر هذا الانقسام اتضحت قبل عام من الآن، عندما ادى الخلاف حول قيادة الاحتجاج وأولوياته وآفاقه المستقبلية الى انقسام حادّ داخل المعسكر المدني.
في مثل هذه الايام من العام الماضي، ثار جدل في صفوف الحركة الاحتجاجية عن جدوى تكرار اقتحام الخضراء، وتصعيد زعيم التيار الصدري لحراكه الى مستوى الاعتصام داخل المنطقة المحصنة وإنهائه بطريقة دراماتيكية من دون تنسيق مع حلفائه. اذ لم تكن هناك خارطة طريق تجمع الطرفين، سوى التظاهر الاسبوعي.
وقتها اختار فريق وازن من الناشطين المدنيين التوقف عن الجري وراء المجهول، والسعي لبلورة خطاب خاص يركز على خصوصية الصوت العلماني في إطار الفضاء الاحتجاجي.
ورغم هذا الانقسام، فقد مضى ما تبقى من التحالف الصدري / المدني، في طريقه مرتبكا وغامضا، خصوصا مع عدم وجود تفاهمات صريحة وواضحة بين الاطراف القائدة لهذا التحالف.
ويبدو ان التيارين كانا يراهنان على تصعيد الاحتجاج بالتزامن مع الانتخابات المحلية صيف 2017. إلا ان الإجماع السياسي على تأجيل الانتخابات وضع هذا التحالف على محكّ الاختبار القاسي في الذكرى الاولى للاعتصامات والاقتحامات.
وفي هذا الإطار، كشف تنديد الصدر بالاعتداء على موكب رئيس الوزراء وتعليقه للتظاهرات في واسط، عن تحالف خفي يحاول زعيم التيار الصدري تمتينه بعيداً عن الاسس التي جمعته مع شركائه المدنيين الذين عارضوا لاول مرة، وبصوت مرتفع، احتكار الحركة الاحتجاجية وفرض الوصاية عليها.
طبعا، لا يلام التيار الصدري على القرار الذي اتخذه حليفه المدني بوضع جميع بيضه في سلة الغير. كما لا يلام الصدر عندما يحاول ضبط إيقاع تياره وجمهوره، عبر سعيه الحثيث إلى تحديد مواقيت الاحتجاج والتظاهر. فهذه اجراءات بديهية لتيار شعبي غير محكوم بإطار تنظيمي، وله اهداف سياسية ودينية معلنة ومعروفة.
لكنّ اللوم كل اللوم يوجه لما تبقى من التيار المدني الذي عجز، طيلة عامين، عن بلورة خطاب خاص به يؤهله لحمل مشروع "الدولة المدنية" من دون الاختباء خلف عمامة صدرية او عباءة نجفية.
وبدلاً من التحول الى كتلة تائهة تتحكم بها الاهواء الشخصية، والمناكفات الحزبية، كان حرياً بالمدنيين ان يوسعوا من دائرة حضورهم في الاوساط الثقافية والطلابية والاجتماعية كمبشرين بمشروع الدولة في مواجهة مشاريع السلطة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram