TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المواطن المثالي

المواطن المثالي

نشر في: 3 مارس, 2017: 09:01 م

في فيلم مصري يحمل اسم (المشبوه) ، يصاب أحد ضباط الشرطة برصاصة يطلقها عليه لص للتخلص من قبضته بعد ان ينتزع منه مسدسه الحكومي فيعتبر الضابط ماحدث ثأرا شخصيا بينه وبين اللص وحين يعثر عليه مصادفة ويكون قد تاب من السرقة ، يمارس معه لذة انتقام ظالم مستفيدا من موقعه في السلطة فينسف حياته كلها ..
بهذه الطريقة يفهم بعض المسؤولين السلطة عندنا فهي أداة للانتقام الشخصي او للتباهي او إذلال الآخرين وظلمهم..ففي احدى سيطرات الجيش في اطراف بغداد، تم ايقاف عدد من سائقي الشاحنات ،وكان احد هؤلاء السائقين قد ارتكب مخالفة مرورية كان يمكن  محاسبته عليها قانونيا أو تأنيبه من قبل الضابط المسؤول ،لكن الأخير اختار أن يصفعه بشدة دون سؤال أو استفسار ، وهنا انتفضت كرامة الانسان في نفس السائق فدفع الضابط معترضا على صفعه بهذه الطريقة المهينة ، ودفع ثمن ذلك توقيفه لعدة ايام وضربه بشدة بشكل جماعي ثم تقديم ورقة له ليضع توقيعه عليها وكانت الورقة تضم اعترافا منه بأنه تعمد تجاوز السيطرة والانطلاق بشاحنته ،لأنه كان يحمل فيها موادّ
متفجرة!
أيقن السائق المسكين ان مصيبة كبرى بانتظاره ، وانه سيصبح ارهابيا على وفق هذه الورقة ويغيب خلف الشمس ولايجد من ينقذه فقرر ان يرفض التوقيع رغم كل ماتعرض له من ضرب وتهديد ..وفي النهاية ، وعده احد الجنود بأن يتوسط له عند الضابط إعجابا منه بشجاعته وجرأته ، وبالفعل وافق الضابط بعد توسلات الجندي بان يطلق سراح السائق مقابل دفع مبلغ ألف دولار ، واضطر المواطن البسيط لأن يدفع المبلغ للسلطة ليشتري حياته المهددة وحريته !!
يقول احمد مطر :" حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر ..والآخر في الاحوال كافة هو السلطة !" والحادثة المذكورة تدل بوضوح على كيفية فهم مصطلح السلطة من قبل المسؤولين في بلدي ، فالمسؤول يمتلك كامل الحرية في استخدام كل مايمتلكه من أدوات لاستغلال المواطن واستلابه واهانته بينما لايملك المواطن إلا أن يكون أعمى وأصمّ وأبكمَ ليحمل صفة ( المواطن المثالي ) بجدارة وليحافظ على
حياته ...
وكما فعل الضابط في فيلم المشبوه فاستغل سلطته لأهداف شخصية ، يمارس ابناء السلطة لدينا سلطتهم لتحقيق اهدافهم الشخصية ،ويعيش المواطن أيامه البائسة تحت رحمة الخوف من السلطة بينما ينبغي أن يهاب القانون ليفرمل افعاله ، لكنه مدرك لغياب القانون وتحوله الى اداة من أدوات السلطة يمكن استخدامها ايضا لإدانة المواطن او مساومته مقابل ضمان حريته وحياته ، لذا لايبقى أمامه إلا الانحناء امام ريح السلطة وتجاهل معنى الحرية التي يعتبرها أرسطو أساسا لبناء دولة ديمقراطية فالحرية تملكها السلطة وبالتالي تصبح الديمقراطية كذبة كبرى يتمسك بها كل من بلغ السلطة بفضلها ثم اجاد استخدامها للتمسك بالسلطة واستغلالها في امتلاك حرية الآخرين !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram