adnan.h@almadapaper.net
بخلاف ما كان يريده رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري ويرغب فيه، لم تلقَ خطوته بتشكيل كيان "مدني إصلاحي"، استعداداً للانتخابات القادمة، القبول المأمول، بحسب ما انعكس في فضاء التواصل الاجتماعي الإلكتروني.
قبل يومين من انتهاء الشهر الماضي، أعلن الجبوري عن تشكيل "التجمع المدني للإصلاح" الذي قال إنه لن يكون مرتبطاً بالحزب الإسلامي (الفرع العراقي لحركة الإخوان المسلمين السنيّة) الذي يشغل رئيس البرلمان فيه منصب نائب الأمين العام.
الجبوري أبدى في بيانه الحرص على التأكيد أنّ التجمع الجديد سيضم شخصيات "من جميع الأطياف"، "ولن يكون ذراعاً " للحزب الإسلامي، معلّلاً ما يقوم به بالقول "لديّ قناعة بأن الظرف الموجود في البلاد يسير للدولة المدنية بأسس قانونية وليس بمفاهيم فكرية للإخوان المسلمين وغيرها من الحركات"، بيد أنّ هذا لم يبعث الطمأنينة في الأنفس، ففي الحال علّق العديد من ناشطي التواصل الاجتماعي بأن الطبقة السياسية المتنفّذة في الحكم تسعى لـ "حوسمة" شعارات الإصلاح والدولة المدنية التي أطلقها الحراك الشعبي المتواصل منذ منتصف العام 2015، بل قبل ذلك بما يزيد على أربع سنوات.
"الحوسمة" هي كناية لأعمال السلب والنهب والسرقة التي صارت سلوكاً روتينياً في حياة الدولة العراقية والمجتمع العراقي في السنين الأخيرة، أصّلته الأحزاب والحركات الإسلامية المتنفّذة التي حلّلت لنفسها كلّ حرام، بما في ذلك نهب المال العالم والاستحواذ على ممتلكات عامة وخاصة في كل أنحاء البلاد. أيّ من هذه الاحزاب والحركات، شيعية أو سنية، لم يتعفّف عن ارتكاب هذا العمل. حتى الذين تجاوزوا على أملاك الدولة من الناس العاديين وبنوا بيوتاً لهم عليها في الاحياء الداخلية للمدن وضواحيها، إنما ركنوا إلى علاقاتهم بالاحزاب والحركات الإسلامية وميليشياتها واحتموا بها، وما عاد باستطاعة الدولة بكل جبروتها أن تفعل شيئاً ضدهم.
السيد الجبوري، ومن خلفه حزبه، وربما الآخرون الذين سيمشون في أثره بعدما أدركوا أن هويتهم الدينية المذهبية صارت مكروهة ومذمومة من فرط ما فشلوا وأحزابهم في إدارة الدولة وما تسببوا فيه من خراب لا نظير له، إنما يسعى لـ "حوسمة" شعارَي المدنية والإصلاح، تهيئة للانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، وهذا ما لم يخفِه هو في بيانه إذ قال "هناك ميل لتشكيل حكومة أغلبية سياسية بعد الانتخابات المقبلة"، في إشارة الى الشعار الراهن لائتلاف دولة القانون (الشيعي) حليف الجبوري
حالياً.
يوهم السيد الجبوري نفسه كثيراً إذ يظنّ أنه بـ "حوسمة" من هذا النوع سيمكنه الضحك على ذقون الناس. هو لا يدري أنّ المشكلة الحقيقية للناس ليست مع أن يكون حزب ما إسلامياً.. المشكلة مع الأداء، وأداء الاحزاب الاسلامية قاطبة كان على مدى السنين الأربع عشرة الماضية سيئاً للغاية، بل مخزياً.
الأحزاب الإسلامية في إمكانها أن تواصل لعب دور في الحياة السياسية، لكن بأداء مختلف عن الأداء السابق .. في أوروبا المترسّخة فيها جذور الديمقراطية ماتزال الاحزاب المسيحية الديمقراطية حيّة وتتبادل السلطة مع الأحزاب الاشتراكية والليبرالية، ولم تضطر لـ "حوسمة" الشعارات الاشتراكية والليبرالية.
ليأخذها الحزب الإسلامي وسواه منّي، أن لا يُغيّروا أسماءهم، فما من مشكلة معها. فقط ليكن أداؤهم مدنياً وإصلاحياً وديمقراطياً. وبهذا وليس بـ "الحوسمة" يضمنون النجاة.