اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > قصائد ماجدة غضبان الممطرة

قصائد ماجدة غضبان الممطرة

نشر في: 14 فبراير, 2010: 06:55 م

سمير طاهرلعل الجيل الذي تنتمي إليه الشاعرة العراقية ماجدة غضبان من أسوأ الأجيال حظاً في تاريخ العراق الحديث. فالحروب الخارجية والقمع الدموي الداخلي الذي توصف به العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين قد جرت على رؤوس أبناء هذا الجيل.
وما جعل للمرارة خصوصية في نفوسهم هو أنهم لم يبلغوا سن الوعي وسط هذه المأساة لكي يألفوها مسَلِّمين بها، وإنما بلغوا هذه السن قبل حلول المأساة أي في الفترة القصيرة (أقل من خمس سنوات) التي شهدت فيها البلاد استقراراً سياسياً نسبياً وتعددية حزبية محدودة وتفتحاً ثقافياً، فذاقوا حلاوة الحياة لوقت قصير ليُحْرَموها بعد ذلك ويقضوا بقية أعمارهم متحسرين عليها. بدأت ماجدة غضبان حياتها الأدبية منذ وقت مبكر، وكانت حياة سرية. شعر وقصص ومذكرات لفتاة مبتلاة بالوعي في ظروف القمع الاجتماعي والإرهاب السياسي والاستئصال الثقافي.واتسمت كتاباتها في تلك المرحلة بالحدة التعبيرية والصفاء اللغوي، فقد كانت الشاعرة في عنفوان شبابها وقمة قدراتها الإبداعية واتقادها العاطفي. غير ان القليل جدا من نصوص تلك الفترة ـ الشعرية والنثرية ـ وجد طريقه الى النشر. أما قصائد مجموعتها الشعرية الأولى التي صدرت مؤخراً ، "قصائد ممطرة"، فأغلبها مكتوب في مرحلة العودة الى العراق. ودعوتُها مرحلة لأنها مطبوعة بسمات فنية ونفسية خاصة تختلف عن كتابات المراحل السابقة. فما دامت نصوص المجموعة مكتوبة في عراق اليوم فمن الطبيعي أن نجدها مظللة بغيمة سوداء ثقيلة. كلا الطرفين الرئيسيين في العملية الفنية (الشاعرة والواقع) تغيّرا بشكل شامل: فلا الشاعرة هي تلك الفتاة الصحيحة بدناً ونفسيةً، المتهكمة المليئة حيوية والبارعة في المراوغة، التي كانت في سنوات الفتوة، ولا العراق هو العراق الذي نعرف ولا ناسُهُ هم ناسُه الذين نعرف.التجارب المريرة، والإصابات الجسدية والنفسية، والضغوط الهائلة والمطالب التي لا تنتهي، نالت جميعها من صحة شاعرتنا وتركت بصماتها في حياتها الأدبية.أما وجودها في واقع كارثي غرائبي ومرعب مثل واقع عراق اليوم، حيث يتنافس العنف والتخلف في شق طريق اليأس، فهو ـ كما يمكن أن نتوقع ـ وصفة مجانية للكآبة. لهذا ليس غريبا أن تطفح هذه المجموعة بصور الاحتجاج والانكسار والسوداوية. ومع ذلك لا يخطئ القارئ نبرة التحدي والصمود تغافل المقاطع الكئيبة لتعلن عن وجود إنسان حي في هذا المكان. فنياً تبين المجموعة الأسلوب الخاص الذي تنفرد به ماجدة غضبان. يبدو هذا الأسلوب للوهلة الأولى وكأنه ينم عن ركاكة، حيث تستخدم الشاعرة أسلوب تقطيع المعنى (فكرةً أو صورةً) الى أسطر شعرية قصيرة لا يشدها الى بعضها إيقاع أو رابط نحوي فتبدو وكأنها نثرت بتسرع. ولا ينصف هذه القصائد إلا قراءة بنيوية تتتبّع الخيط الرئيسي للفكرة الشعرية من خلال الكلمات المفردة والصور المتداخلة، لتكشف عن وحدة المضمون وتقدم الوعي وعمق الرؤية لدى الشاعرة. بل انها تصل أحيانا قمة الإبداع في الترميز البعيد وأسلوب التركيز المعنوي باستخدام مفردات بسيطة، كما في قولها: " هذه السفن/ التي يفيض بها المحيط/ سرقت مني رياحي/ سرقت كل الرياح/ التي كانت/ تعبث بثوبي " .  لم تطلق الشاعرة ماجدة غضبان في مجموعتها هذه كل ما لديها من خزين إبداعي. وأمامها الآن أن تواصل إطلاق هذا الخزين بما في ذلك كتاباتها القصصية. وأتمنى أن تكون في كتابها الثاني أسعد حظاً من هذه المجموعة التي لم تأخذ ما تستحقه من التوزيع ولا من الاستقبال النقدي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram