نورا خالدفجأة ومن دون سابق انذار امتلأت الشوارع، والأزقة بمئات صور ولافتات المرشحين للدورة الانتخابية الحالية وحملت وعوداً بتحسين الوضع بكل جوانبه الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية. صورة يلوح بها المرشح للناس، وأخرى تبين تقاطيع وجه المرشح الصارمة أو الضاحكة وصورة للمرشح مع طفل أوعجوز وهو يمسد على رأسيهما، وكأنه أب حنون.
وهكذا يستمر مسلسل الصور منذ صباح يوم الجمعة الماضي بسرعة وهمة قويتين منذ الفجر وسوف يتواصل شهراً حتى بدء عملية الاقتراع. والغريب في الأمر ان صورة علقت في باب احدى صالات العرض السينمائي في السعدون والتي اغلقت ابوابها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وان هناك لافتات أخرى علقت على بيوت عدد من المواطنين من ذوي الدخل المحدود لقاء مبالغ مالية تصل الى 25 الف دينار عن كل صورة او لافتة تعلق على جدران تلك البيوت،التي غالباً ما تكون غير مكتملة البناء. ومن الطرافة في الموضوع اصبحت هناك معاملة بين صاحب الدار والمكلف بتعليق الصورة لرفع المبلغ الى 40 الف دينار، ولم يكن هذا فقط ما رافق مسلسل الدعايات الانتخابية من صرف مبالغ مالية كبيرة،بل ان طبع تلك اللافتات كلف المرشحين الكثير من الأموال ما أعطى أصحاب المطابع الفرصة لتشغيل مطابعهم التي كان يسود عملها الكساد، ما دعا أحد أصحاب المطابع الى التعليق قائلاً: لو كان بالامكان اجراء الانتخابات كل شهر لاصبحنا في أحسن حال. وما لفت انتباهي هو ما عرضته احدى القنوات الفضائية من ان المطابع العراقية لم تعد تستوعب طبع صور ولافتات المرشحين ما اضطر بعضهم الى طبعها في الدول المجاورة، لغرض اكمالها في الوقت المحدد، وهذا يعني ان المطابع هناك باتت تعمل بفضل انتخاباتنا. المفوضية العليا للانتخابات أكدت ضرورة التزام المرشحين بالقواعد والقوانين التي وضعتها للحملات الدعائية، وبخلافه سيتحمل المخالف غرامة مالية قد تصل الى عشرة ملايين دينار، اذا ما تجاوزوا تلك القواعد. انه شيء جميل، وحالة مفرحة، ان يكون الحكم في بلدنا بهذه الطريقة الديمقراطية بعد ان عشنا سنوات طوال تحت وطأة الدكتاتورية والنظام الشمولي والحزب الواحد والقتل الجماعي والسجون المظلمة، حالة أكبر مما يستوعبها المتربصون والمصطادون في الماء العكر، الذين يريدون ببلدنا وبنا الشر، ويصنعون الموت في كل مكان، لكن الحالة معنا شيء آخر له طعم الكوثر ومذاق السعادة ان نحفر اسماءنا في كل الذاكرات الحية التي تريد بنا الخير، صحيح اننا دفعنا الكثير من التضحيات، ولكن هذا هو ثمن الحرية والديمقراطية التي نبغيها، لأن طريقها لايعبد بغير التضحيات. نتمنى ان يكون الفائزون هذه المرة بمستوى كل مادفعناه من ثمن باهظ، وبمستوى اصرارنا على الاقتراع وايصال أصواتنا الى صناديقها. ولكن هنالك سؤال يفرض نفسه علينا ولابد من طرحه: هل ستكون همة الفائزين في خدمة الشعب بمستوى همتهم في تعليق اللافتات والصور في صبيحة الجمعة الماضية وما يليه من أيام قادمة؟!
وقفة: لافتــات وإنجــازات
نشر في: 14 فبراير, 2010: 07:00 م