TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الصورة على عمود النور

الصورة على عمود النور

نشر في: 7 مارس, 2017: 09:01 م

   لم يبق عمود للنور في البصرة إلا وعُلّقت عليه صورةُ لشهيد، وكذلك كان الأمر على أعمدة الضوء في مدن الوسط والجنوب وفي بغداد، بخاصة. هذه الكواكب باتت تضيء ليل مدننا، وها نحن نستظل بنور الحياة التي وهبها لنا اولئك الفتية، نعيش اللحظات المتبقية لنا على الارض بفضل قرابين أرواحهم، بالطمأنينة التي بخلت الحكومة به علينا، بالنور الذي لولاه لغدت مدننا مظلمة، ولباتت شوارعنا وأسواقنا خامدة، موشحة بالسواد وبالرايات الداعشية القذرة، ومهما كتبنا وسنكتب، لن نفي حق الارواح العظيمة تلك، لن نفي تمزق الاجساد الطاهرة، التي اندفعت بكل عنفوانها للموت والشهادة، حتى ازدانت بشواهدهم وأسمائهم شعاب واودية مقبرة السلام .
  ليست الحرب التي يخوضها اولئك الشبان نيابة عنا مزحة يرويها لنا محلل وباحث في الشان العسكري، لم يدخل العراق منذ ان باتت العواصم الآمنة له نعيما ووطنا مستعارا، أو مساحة حرة لقول كل شيء، كما ليست ورقة يقول فيها فلان وفلان ما يحلو لبغضائه وأمزجته إبداء المزيد من التنكر والجحود، لا نريد أن نسمّي احداً، لكن المروءة تقتضي منا قول كلمة الفصل، هل أنت مع ام ضد؟ لا وقت لتجميل المشهد بكلمات ترتجلها امام الكاميرا، القضية بعمق الدم الذي يسيل بيننا، بحجم ذهاب ابنك للموت، ويتم اطفالك، وترمل زوجتك، نعم، هي الحقيقة، اما المناورة في الكلام وتقديم العاطفة العاطلة لبيان الحجة ومحاولة استنطاق الصور على الشاشة، وما الى ذلك فهذا ما لا وقت
يناسبه الآن.
  يسألني ابني ما إذا كنت قد كتبت قصيدة في مشهد العراق اليوم، فاقول: أي قصيدة أكتبها او يكتبها شاعر آخر لن تبلغ عظمة حرف واحد من معاني البطولة التي ذهب اليها هؤلاء الفتية ، الذين هبوا لإقتحام أوكار داعش في نينوى وصلاح الدين ومن قبل في الرمادي والفلوجة، من انا لكي أمنح حروفي معنى من معاني كبريائهم وبسالتهم، كل شعر يتقزم، يصبح بلا جدوى ازاء ما فعلوا. لا أقول أبناء الوسط والجنوب حسب، أبداً، هذا عراق بطول الصبر والثبات، هبَّ ووقف يستمطر الدنيا رجولة وبطولات، لذا، وجدت الشعر أجمعه والكلمات بطولها وعرضها، مهما علت وعظمت خارج محيط الوفاء.
  كنت أعيب على أحد القادة في الحشد- من الأحياء- وضع صورته كبيرة أزاء صور الشهداء، الذين اصطفوا على طول الشارع الرئيس، وسط المدينة، هو بنظارته السوداء عابساً، وهم مدججون بالسلاح ومبتسمون، ساخرون من الموت، لا ينبغي لحي بيننا، مهما عظم وجوده أن يستعرض بطولته جنبا الى جنب هؤلاء، في صورة على عمود كهرباء. علينا أن بمستوى تضحياتهم، في القليل، عبر الصورة التي نختارها ممجدةً لنا قربهم، هذا إن كنا نملك مجداً ما. يوجع قلبي ما أتذكره من حديث سائق التاكسي، الذي أقلني من وسط المدينة الى إحدى ضواحيها الشمالية، هو يقول إن اعمدة الكهرباء في المدينة لم تعد تكفي لصورة واحدة، أصبحنا نعلّق صورتين أحياناً .  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram