TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم البائع الجوّال لأصغر فرهادي.. مقاربة فنية لتعقيدات الحياة المعاصرة

فيلم البائع الجوّال لأصغر فرهادي.. مقاربة فنية لتعقيدات الحياة المعاصرة

نشر في: 8 مارس, 2017: 09:01 م

كتب الناقد السينمائي لصحيفة نيويورك تايمز أي أو سكوت هذه المراجعة قبل فوز الفيلم بجائزة الأوسكار كأحسن شريط أجنبي.في بداية فيلم "البائع الجوّال" يتوجب على عماد (شهاب حسيني) ورنا (تارانا علي دوستي) أن يتخليا عن شقتهما في طهران. هنالك شقوق في الحيطان و

كتب الناقد السينمائي لصحيفة نيويورك تايمز أي أو سكوت هذه المراجعة قبل فوز الفيلم بجائزة الأوسكار كأحسن شريط أجنبي.
في بداية فيلم "البائع الجوّال" يتوجب على عماد (شهاب حسيني) ورنا (تارانا علي دوستي) أن يتخليا عن شقتهما في طهران. هنالك شقوق في الحيطان وبناية عالية على وشك الانهيار. إن المبنى المتصدّع ربما يقف كنوع من المجاز المعكوس بالنسبة للفيلم نفسه الذي هو معجزة البناء الدقيق. مع الصبر المتقن والانتباه إلى التفاصيل فإن أصغر فرهادي، الكاتب والمخرج، يبني حبكة صلدة ومشوقة من حوادث عادية ويجمعها مع أفكار غنية رنانة.
إن المعجبين بأفلامه الأولى – بضمنها "عن إيلي" و"الماضي" و"انفصال" الفائز بجائزة أفضل فيلم أجنبي لعام 2012- لن يتفاجأوا. فالسيد فرهادي يتميّز بنفسه في جيله من صنّاع الفيلم الإيرانيين كونه واقعياً سايكولوجياً ذكياً وراوياً للقصص شديد الحساسية. على الرغم من أنّ أفلامه تدور في بيئة مدينية حديثة تماماً إلا أن هناك شيئاً قديم الطراز مقنعاً في مقاربته للحياة الحديثة وهو الاعتقاد غير المصرح به في القيمة الأخلاقية لتوجيه تعقيدات التجربة من خلال صفاء الفن السردي ورقته.
رنا وعماد، زوجان بلا طفل يبدوان في الثلاثين من عمرهما، كلاهما ممثل وعضو في فرقة مسرحية منخرطة في عرض مسرحية "موت بائع جوال". على المسرح يمثلان عائلة لومان، ويلي وليندا، اللذين يبدو عالمهما الأسفل الأمريكي وطبقتهما الوسطى وكأنه صنع مألوفاً وغريباً. بعض من الصراحة الجنسية للمسرحية قد خفف منها الرقيب الحكومي الإيراني- في مشهد محوري، تظهر عشيقة ويلي في غرفته بالفندق مرتدية قبعة ومعطف مطري أحمر ذي حزام بدلاً من ثوب نوم- وثيماتها في الكفاح والتضحية تبدو بعيدة عن حياة رنا وعماد. على الرغم من أنهما ليسا غنيين فإن حقيقة أنهما "يعملان في الثقافة" يمنحانهما طابعاً محدداً وأحياناً يشرقان بحس هادئ من التفوق بأحاديثهما مع الجيران والمعارف.
غير أنّ شبح ويلي لومان يحوم فوق فيلم "البائع الجوّال" موحياً بلغز تأويلي. إن اختيار هذا النوع – المسرحية ضمن الفيلم- لا يمكن أن يكون اعتباطياً، لكن معناه غير ظاهري مباشرة. بالنسبة لغالب فترته الزمنية يبدو الفيلم مشغولاً بقضاياه الدرامية، ومبدئياً بعاقبة فعل العنف الصادم وغير القابل للتفسير في الظاهر.
الشقة التي ينتقل إليها عماد ورنا – بفضل كرم زميل له- ليست مسكونة في الحقيقة لكن مثل العديد من الأفلام حول الملكية الحقيقية، فإن فيلم "البائع الجوال" يعد فيلم رعب إلى حدٍّ ما. الساكنة السابقة كانت امرأة عزباء مع طفل صغير والأغراض التي تركتها هي أكثر من كونها مجرد فوضى مزعجة. إنها مجموعة من المفاتيح إلى اللغز غير المعروف تطارد آثار الحياة غير المرئية.  
هذه الحياة تغزو أسرة الزوجين بقوة مدهشة. رنا تتعرض إلى هجوم في الحمام ويختفي الرجل الذي هاجمها تاركاً وراءه سيارته البيك آب. تكشف الجريمة عن التوترات والصدوع ضمن زواجهما وما وراؤه. رنا، التي جرح رأسها في الهجوم- الصدمات الأخرى تترك بشكل ضمني- يصيبها الفزع والذهول، لكن يبدو عماد أكثر اهتماماً بجرح رجولته. غياب الشرطة يوحي بفقدان الثقة بالسلطة الرسمية بشكل كامل إذ أنه من النادر أن يشار لها. بحث عماد عن الأجوبة وعن شيء مثل العدالة يحوله إلى رجل تحرٍّ متردد، ويكون فيلم "البائع الجوّال" غير مقتصد في تصويره للفراغ الأخلاقي للانتقام الشخصي.
في منتصف هذه الحكاية المؤلمة للجريمة والعقاب إذ أنّ روح ويلي لومان تصنع عودتها البسيطة القوية غير المحتملة والمفاجئة. يدور فيلم "البائع الجوّال" عن الثقة والشرف، وحول العنف ضد النساء في المجتمع البطرياركي (الأبوي) وحول البلاء الكامن في الزواج، لكنه يدور أيضاً حول الموت، بائع جوال والقسوة المخفية للطبقة. منذ أن وظف بيدرو ألمودوفار بشكل لامع في فيلمه "كل شيء عن أمي" مسرحية "عربة اسمها الرغبة" فإن كلاسيك المسرح الأمريكي قد جرى توظيفه سينمائياً بشكل مبدع. إن سيطرة السيد فرهادي مدهشة وكذلك انضباط الممثلين. مشاهدهم الأخيرة جاذبة حالاً ومن الصعب مشاهدتها. يجب أن يلفت لها الانتباه كما قال أحدهم مرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram