TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فرهادي.. بائع الجمال المتجول

فرهادي.. بائع الجمال المتجول

نشر في: 8 مارس, 2017: 03:21 م

حجز المخرج الايراني أصغر فرهادي، مكاناً له بين الأفضل من مخرجي العالم، بعد أن استطاع أن ينتزع الأوسكار الثاني له خلال أربعة أعوام وبجدارة، من خلال فيلمه (بائع متجول).. وكان فرهادي قد نال الجائزة نفسها عام 2012 عن فيلمه (انفصال نادر وسيمين) .. وبين أعوام فيلمي الأوسكار هذه، صنع فرهادي فيلمه المتميّز (الماضي)..
وبنفس اسلوب فيلميّه الأخيرين، يعمل فرهادي فيلمه هذا.. وهنا سنضع فيلمه هذا في دائرة التماثل مع أفلامه السابقة.
أصغر فرهادي واقتفاء لخطى معلّمه ومواطنه كياروستامي في سبر التفاصيل العائلية يشتغل بالموضوع نفسه، ولكنه خلافاً لكياروستامي يرحل بها (خارج) مكانها الطبيعي. فإذا كان الأخير قد تخطّى في أفلامه الأخيرة جغرافية موضوعاته إلى حيث انشغالات عالمية عن الوحدة  والهوية الإنسانية (نسخة مصدقة)، (عاشق مثالي)، فإن فرهادي قد انتقل بموضوعاته إلى حيث الهمّ الإنساني في كل مكان، وبخاصة عندما يفرض المشكل المحلي وجوده في ثقافة أخرى.
أحمد (علي مصطفى) الإيراني القادم إلى باريس بعد غياب أربعة أعوام لينهي إجراءات طلاقه من زوجته الفرنسية ماري (برنس بيجو) منهياً وضعاً اجتماعياً له، لكنه –يا للمفارقة- يجد نفسه في بداية وضع آخر، أقرب إلى تصفية حساب منه إلى أي شيء آخر.
فرهادي يستدعي الماضي بشخص أحمد، فيما يواجه الأخير الحاضر بتفاصيل يصبح الماضي فيها رهاناً آخر لهذه الشخصية في محاولة فك الاشتباك في علاقة هذه الشخصيات، وما يتجلّى عنها من أوجاع وهموم، استطاع فرهادي بحنكة مخرج نبه وهو يعالج سيناريو كتب بحرفية عالية، أن يعتني بالشخصيات، مثلما تتجلى منه الأحداث بحبكة صانع ماهر.
إنها حكاية تعتني بالتفاصيل الصادمة بل  حتى الألغاز التي من شأنها تغيير مسار القص السينمائي بما يمنح الموضوع كماله.
وكما في فيلمه (انفصال..) فإن فرهادي يقدم الشخصيات دفعة واحدة  من دون أن يمنح المشاهد فرصة سبر أغوارها بالعجالة نفسها، بل يجعل انخراطها في الحدث بالتدريج سبباً في اكتشاف دواخلها على طول زمن الفيلم.
استقبال ماري لأحمد وحوارهما في السيارة في الطريق من المطار، يجعلنا نقف عند حدود هذه العلاقة وسبب اللقاء، لكننا أيضاً نقف عند بعض تفاصيل هذه العلاقة التي يفترض أن يكون هذا اللقاء بداية نهايتها، خاصة مع رغبة أحمد في معرفة أحوالها بعد فراق دام أربعة أعوام وارتباكها من هذا اللقاء.
ثم يضعنا المخرج في علاقات متداخلة تضجّ بمشاكل الحياة اليومية، والخيانات، والريبة.. ماري وابنتاها من زيجتين سابقتين، وسوء الفهم واللا تواصل بينها وبين ابنتها المراهقة، ثم سمير (طاهر رحيم) الشاب العربي عشيقها، وابنه من امرأة أخرى، وعلى هامش هذه العلاقات هناك العاملة المغربية التي تعمل مع سمير في ورشته والتي سيكون لها فعل في مأساة زوجة العشيق، تغذي هذه العلاقات مشاكل تبدأ بين ماري وابنتها المتحفظة عن علاقة أمها بعشيقها وكرهها لهذا الأخير ثم وشايتها في إبلاغ زوجة العشيق (التي تعاني الاكتئاب ثم الغيبوبة في أحد المستشفيات) من خلال سرقة البريد الإلكتروني لوالدتها.
يجد أحمد الزوج القادم من طهران نفسه وسط هذه الدوّامة من العلاقات المشحونة بالشك والخيانة والتباس القصد. يحاول أن يرمّم ما يمكن ترميمه في هذه الشخصيات المأزومة، هو إذن الماضي الذي تستعين به دائرة هذه العلاقات.
ما يحسب لفرهادي أسلوب عرضه لهذه الحكاية من دون ادعاء، أو حشو، أو تضخيم،  التي يتجلّى بها فعل الشخصيات المرسومة بدقة ، خاصة مع الأداء المذهل لممثليه  (برينس بيجو) في تعابير الوجه والانفعالات وحتّى الصراخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram