adnan.h@almadapaper.net
يوم نشر الشاعر المنفي حميد سعيد رسالته المفتوحة بخصوص راتبه التقاعدي، تصورتُ أن الأمر يتعلّق بالبيروقراطية اللعينة التي ترسخت جذورها بسرعة فلكية في دولة نظامنا الحالي، (لا يسري مفعولها على المحسوبين على الأحزاب والقوى الإسلامية المتنفّذة في السلطة، فإن كانت في يدك ورقة أو سبقتك توصية تلفونية من أحد هذه الاحزاب انفتحت لك حتى أبواب السماء!).
فقط عندما التقيت رئيس الاتحاد العام للادباء والكتّاب الاستاذ ناجح المعموري قبل أيام، فهمتُ أن القضية لا تمتّ بصلة إلى البيروقراطية، إنما إلى موقف سياسي أقل ما يمكن القول فيه أنه لئيم، ولم يكن حميد سعيد ضحيته الوحيدة، فالشاعر سامي مهدي المقيم في بغداد مشمول به هو الآخر، كما قرأنا في "بوسته" الفيسبوكي المنشور أمس تعليقاً على موقف غير سليم هو الآخر اتخذته قيادة اتحاد الادباء بعدم الوقوف إلى جانب الشاعرين سعيد ومهدي في المطالبة بالراتب التقاعدي المُستحق لهما ولعائلتيهما. ولابدّ أن القائمة تضمّ ضحايا آخرين.
في أيام منفانا الطويلة في عهد النظام السابق، كانت واحدة من أطروحاتنا المُقدّمة الى المنظمات الحقوقية والثقافية الدولية والبرلمانات في الدول الديمقراطية، أن صدام حسين ينتهج سياسة لئيمة بالانتقام من عائلات معارضيه الفارّين من طغيانه. تلك الاطروحة كانت مما أكسبنا تأييد تلك المنظمات والكثير من البرلمانات والمؤسسات الاخرى في الدول الديمقراطية.
نظامنا الحالي ينحدر إلى المستنقع نفسه بانتهاج السياسة اللئيمة ذاتها، بالانتقام ليس فقط من الشاعرين المعروفين سعيد ومهدي وسواهما، بذريعة أنهم بعثيون وإنما أيضاً من عائلاتهم التي لا يُمكن بأي حال وذريعة نفي حقها في الراتب التقاعدي، فهو ليس منحة من الدولة لكي تتمنن بها، إنما هو استقطاعات شهرية من الراتب أُودعت خزانة هيئة التقاعد، وما على هذه الهيئة سوى إعادة الحق إلى أصحابه بأقساط شهرية أيضاً.
كون حميد سعيد وسامي مهدي بعثيين، سابقين أو حاليين، لا يُسقط حقهما وعائلتيها في الراتب التقاعدي، بل هذا لا يُسقط حقهما حتى في تولّي وظائف في جهاز الدولة، فعلى مدى السنين الأربع عشرة الماضية، وخصوصاً في عهد الحكومة الثانية للسيد نوري المالكي، حصل بعثيون كبار، سابقون وحاليون، على استثناءات من إجراءات المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقاً) فأصبحوا أعضاء في مجلس النواب (صار بعضهم رعاة للإرهاب) وقادة عسكريين وأمنيين على رأس أجهزة خطيرة (سلّم بعضهم الموصل وسواها لداعش)، برغم أن البعض منهم موغل في دماء العراقيين، فضلاً عن أن المئات من أمثالهم قد تمتّعوا بحقوقهم التقاعدية، فيما حميد سعيد وسامي مهدي لم تحمْ حولهما شبهات بسفك الدم.
بقاء قضية حميد سعيد وسامي مهدي، وسواهما، على حالها، لجهة التعامل معها بموقف لئيم، هو مما ينسف بعض الأساس الاخلاقي لنضالنا ضد نظام صدام حسين. وهذا بالذات ما كان على قيادة اتحاد الادباء أن تأخذه في الاعتبار فتتبنى موقف الدفاع عن حق الشاعرين، وسواهما، وعائلاتهم في الراتب التقاعدي.
ما الذي يُبقيه المثقف للسياسي اللئيم إنْ هو تشبّه به؟!