عندما حصل البروفيسور الباكستاني عبد السلام، على جائزة نوبل، قال كلمته الأثيرة: من يستحق الجائزة هي تلك السيدة ولست أنا؛ إقرار جميل بالفضل لسيدة سخية الروح تكفلت تعليمه طفلاً عندما اكتشفت عبقريته المبكرة، ثم سعت ليحصل على بعثته الى بريطانيا؛ وعلمته مواقف هذه المرأة النظر بعين التراحم والتشارك في معاناة الآخرين، وبذل كل مايسهم في مساعدتهم وتحسين ظروف حياتهم ولم يتخلَ عن الوفاء بوعده مستلهماً مواقف تلك السيدة العظيمة التي اكتشفت تميّزه وكرس جهوده للعمل مع هيئات الأمم المتحدة التي تعمل على الارتقاء بواقع الطفولة والتعليم في البلدان الفقيرة.
الملهمات السخيات لايقفن وراء الرجال بل يتقدمن المسيرة ويأخذن بيد الرجل الذي يتوسمن فيه التميّز وينقبن عن ملامح العبقرية في شخصيته القلقة، فتسانده ثم تسلط الأضواء على عبقريته بمجسات ذكائها وحدسها، وترعى تلك العبقرية بوعيها ومعارفها وإيمانها بقدراته الخارقة، فماكان الفنان الجامح سلفادور دالي، ليبلغ المجد والشهرة لولا زوجته وحبيبته غالا التي أقرّ بتميّزها مجتمع السرياليين، فهي التي حالت بينه وبين الامتثال المرضي لأوهامه وتخيلاته وهلوساته، واستطاعت بذكاء امرأة عاشقة أن تكتشف الجوهر الإبداعي المخبوء وراء الهلوسات، فوجهت شطحاته ورؤاه الكابوسية، لتغدو أعمالاً فنية باهرة ومنحوتات وكتابات، وكان اهتمامها به وتحكّمها بضبط عبقريته الفوضوية المنفلتة سبباً في ديمومة العشق المشتعل بينهما على مدى عقود طويلة، واعترافاً منه بدورها في قيادة حياته وجموحه وأدائه الفني، كان دالي يوقع أحياناً على لوحاته باسمه وباسم غالا، وطالما ردّد في مناسبات كثيرة أقوالاً تربط بين غالا وقدرتها على صنع العبقرية: (على كل فنان يطمح أن يغدو شهيراً وينجز أعمالاً خارقة أن يتزوج غالا) وهي مقولة تهكمية تنطوي على لؤم عميق فيه تلميح جارح إلى أن الفنانين الآخرين لن يبلغوا أبداً مابلغه، لقد تولت غالا تسيير علاقاته العامة وتنسيق أمور معارضه وتسويق أعماله مدفوعة بعشقها له وشهوتها الجامحة للثراء، واستغل الاثنان كل شيء بما في ذلك سلوكه الفضائحي والاستفزازي للحصول على المال. تزوجت غالا المهاجرة الروسية قبل دالي من الشاعر بول ايلوار وألهمت ماكس ارنست واندريه بريتون الذي وصفها بأنها المرأة الخالدة.
على الضدّ من هؤلاء الراعيات، كانت ثمّة نساء موهوبات ارتبطن برجال مهووسين بالشهرة والمال وكنّ ملهمات وضحايا لنرجسية رجالهن؛ فتحملن ضغوطاً هائلة للحفاظ على توازنهن النفسي في ظل زوج مشهور، مثالنا زيلدا زوجة الروائي سكوت فيتزجيرالد التي كانت رسامة وكاتبة ملهمة لبثت تعيش تحت وطأة الشهرة المبهرجة لزوجٍ عشقها وازدهى بجمالها وأرستقراطيتها - كانت ابنة قاضٍ وحفيدة سيناتور- ثم مالبث أن أذلها وقمع إبداعها وسرق قصصها وإدعاها لنفسه وجعلها سلوكه تحيا في وضع ملتبس لايحتمل: كاتبة ملهمة وضحية مهدورة القدرات.
عاش الكاتبان حياة صاخبة بين نيويورك وباريس فترة الانحلال الاجتماعي التي تلت الحرب العالمية الأولى وزاوجا بين الصخب والانفلات الجنسي، في مجتمع يتسم بالقسوة واللامبالاة وتحطيم النفس، والآخر الى جانب استغلال الشهرة لتحقيق ثراءعاجل. وسرعان ما تدهورالعشق العاصف في دوامة سلوك سكوت العنيف معها وسخريته من كتاباتها ومنعها من نشر قصصها ويومياتها، بينما كان يكتب ليل نهار، ويدفع بفصول رواياته الى الناشر ليغطي نفقاتهما المتعاظمة التي تتطلبها حياتهما الباذخة. كافحت زيلدا وضعها المتردي معه بواسطة العلاج النفسي وكانت موقنة بأنه يدفعها للانهيار بعد أن هجر جسدها واستولى على أفكارها ودفاترها التي نقل منها دونما خجل موضوع روايته الثانية ثم عمد إلى تمزيق يومياتها.
يتبع
ملهمات حارسات وضحايا
[post-views]
نشر في: 11 مارس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...