هل يمكن التعويل على دور أمريكي في إعادة الحياة الى الاقتصاد العراقي الذي دمرته حروب نظام صدام وحرب الإرهاب والسياسات غير السليمة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003؟هذا السؤال يثار الآن عشية تحقيق الانتصار الكامل على تنظيم داعش الإرهابي، وانهاء
هل يمكن التعويل على دور أمريكي في إعادة الحياة الى الاقتصاد العراقي الذي دمرته حروب نظام صدام وحرب الإرهاب والسياسات غير السليمة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003؟
هذا السؤال يثار الآن عشية تحقيق الانتصار الكامل على تنظيم داعش الإرهابي، وانهاء احتلاله لما تبقى من محافظتي نينوى والأنبار من جهة، وعلى خلفية الحديث عن مشروع مزعوم يُنسب الى إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، بإعادة إعمار العراق مقابل النفط من جهة أخرى.
الجواب على السؤال مختلفٌ بين ممثلي الحكومة وممثلي مجلس النواب والخبراء الاقتصاديين، فالمستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي د. مظهر محمد صالح، يقول في حديث لـ (لمدى): إن السياسة الامريكية المقبلة تجاه العراق، ستكون مستفيدة من سياسات التخبّط السابقة القامعة للتنمية والمؤجّجة للعنف من خلال فسح المجال لنمو البؤر الإرهابية كداعش وغيره، وهو يعتقد أن سياسة واشنطن في عهد الإدارة الجديدة، ستكون مؤازرة للاستقرار والتنمية وتأييد توجيه موارد النفط العراقي نحو المزيد من التنمية الاقتصادية، فضلاً عن تحويل اتجاهات السوق من سوق مضاربة ضعيفة الانتاجية الى سوق مؤسسات وشركات منتجة متضامنة مع شركات عالمية بما يخدم تعاظم النمو في الناتج المحلي الإجمالي ويخفض مستويات البطالة. ويخلص د. صالح الى القول بأن، العراق مقبل على مرحلة ازدهار حقيقية.
لكن لنائب رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار، نورة البجاري، رأي مختلف، فهي ترى أن العراق كان قبل الاحتلال الأمريكي، بلداً منتجاً صناعياً يصدّر الى البلدان الأخرى، العديد من البضائع ولديه اكتفاء ذاتي، مستدركة: لكن بعد 2003 انهارت الصناعة العراقية ودُمّرت، وهو أمر مخطط له منذ حرب الثمانينات مع ايران، وبعدها احتلال الكويت وحرب1991، الأمر الذي جعل العراق بلداً غير منتج.
البجاري تعتبر في حديثها لـ(لمدى) أن الامريكان وبعد قرارات الحاكم المدني بريمر، ومنها الغاء دائرة رقابة التحويل المالي في البنك المركزي، عملوا على خلق طبقة تجارية سياسية طفيلية ليست لها أيّ تاريخ، نشأت من خلال مشاريع الشركات العاملة مع الجانب الأمريكي، وتضيف: هذه الطبقة تحولت الى فايروس داخل السوق العراقية لتحقيق الربح السريع مما دفع الآخرين الى تقليدها، الأمر الذي أدى الى انهيار الاقتصاد العراقي بشكل كامل، مسترسلة: أن سياسة بريمر مخطط لها وتعمّدت تدمير العراق سياسياً واقتصادياً، فبريمر لم يتعامل مع العراقيين بوصفهم شعباً واحداً، وإنما تعامل مع الشيعة والسنة والأكراد، كلاً على حدة، وكانت تلك لحظة حدّدت تقسيم العراق بصورة غير مباشرة.وتؤكد نائب رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار، أن كل قرارات بريمر التي طبّقت كانت لتخريب العراق، واليوم ترامب عندما يساوم العراق بالنفط مقابل إعمار مناطقه المحررة، إنما يستكمل سياسة أمريكا لإضعاف العراق كدولة قوية تمتلك قوة نفطية وشبابية، مستطردة: أنهم استطاعوا أن يفكّكوا كل شيء في العراق، ولم يتبق غير النفط، لذلك يريدون الهيمنة عليه بمفهوم ترامب، ولكن لو كانت حكومة العراق قوية بسياسيين يغلبون مصلحة الوطن لما استطاع أحد مساومتنا على ثرواتنا.الخبير المالي أحمد الحسيني، يعتبر هو الآخر، أن ما حدث بعد 2003 عملية تدمير للبنى التحتية ولعجلة الانتاج العراقية. ويستدرك في حديثه لـ(المدى) بأن العراق أحوج الى ما يكون الآن، لتفعيل قوانين أقُرت من قبل مجلس النواب، لكنها غير مفعّلة، كما علينا الآن أن لا نكابر في موضوعة الحصول على وعود لإعمار مناطقنا المحررة، ويقول إن الحكومة تستطيع أن تفرض شروطها فهي في موضع القوة، لأن معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش قد حررتها القوات العراقية، مؤكداً: أن هذا يمكن توظيفه للحصول على القروض والأموال لدفع عجلة النشاط الاقتصادي للبلد، مع التأكيد على ثلاثة قوانين ذهبية: قانون التعرفة الكمركية وقانون حماية المنتج وقانون حماية المستهلك.. لو جرى تفعيل هذه القوانين لاستطعنا توفير الكثير من الأموال التي يراد مساومتنا عليها مقابل النفط.
وقد يبتعد الرأي السياسي بهذا الشأن عما يطرحه المعنيون بالشأن الاقتصادي، لكنه أيضاً يقترب منهم في نقطة مهمة هي أن العراق قد فقد كل إمكاناته عندما سقط النظام السابق، وأسهم ذلك في التراجع الهائل عن ركب التطور التكنولوجي والمهني في مختلف الصعد، وبأن الجريمة الكبرى تجاه الاقتصاد العراقي، كانت بالحصار الدولي الذي فرض على العراق في التسعينيات، حتى اصبحت الموارد العراقية بعد مرحلة 2003 في مهبِّ المافيات الاقتصادية بعمليات مارسها الجميع بمن فيهم دول الجوار، بحسب قول عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية خالد الأسدي.
ويتابع الأسدي في حديث لـ(لمدى) قائلاً: أن التراجع الصناعي في العراق بدأ بعد حرب التسعينيات عندما فرض مجلس الأمن الدولي عليه الحصار، ومنع عنه استيراد المواد الضرورية للصناعة التحويلة التي كان يعتمدها، وذلك نتيجة الغزو الصدّامي البعثي للكويت، مسترسلاً: نعم هناك اخطاء ارتكبت من قبل الادارة المؤقتة (بعد 2003) والمشكلة أن بعض مؤسساتنا التزمت بذات المسار، مستدركاً: لكن يجب أن نعترف أن تخلّف التشريعات المنظمة لعملية الانفتاح على السوق التي بدت هي المسيطرة على حركة التجارة والاقتصاد في العالم، كانت سبباً أساسياً لوجود الخلل الكبير وعدم الاستفادة من حركة السوق العالمية، حيث يجب أن يقنّن هذا الانفتاح بمراقبة صارمة من قبل الحكومة لخلق توازن بين حركتي الانتاج والاستهلاك.
ويرى عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، أن الردَّ المناسب على مساومة رئيس الولايات المتحدة للعراق بإعمار المناطق المحررة مقابل النفط، أن تعمل الحكومة العراقية بشكل جاد لمطالبة واشنطن بتعويضات عن الأضرار التي الحقتها بالعراق نتيجة احتلاله، مبيناً: أن هذه ستكون رسالة واضحة تحمّل الامريكان مسؤولية ما جرى من أضرار سواء أكانت على المستوى الاقتصادي أم الأمني والسياسي في العراق. ويلفت الأسدي أخيراً الى: أن الجانب الأمريكي لم يتلق دعوة لاحتلال العراق كي يتحدث ترامب الآن عن النفط مقابل الإعمار. هذه تصريحات لا نستطيع إلا أن نسخر منها، فترامب لا يملك العراق ونحن لسنا مجبرين على تنفيذ سياسته.