لم تزل الكهرباء تشكل معضلة للعراقيين، فقد أهدرت بسببها من خزينة الدولة، عشرات مليارات الدولارات، ومازالت تلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية للمواطنين، وهو ما تعبر عنه الاحتجاجات الشعبية المتواصلة أسبوعياً في العاصمة بغداد، وعدد من المحافظا
لم تزل الكهرباء تشكل معضلة للعراقيين، فقد أهدرت بسببها من خزينة الدولة، عشرات مليارات الدولارات، ومازالت تلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية للمواطنين، وهو ما تعبر عنه الاحتجاجات الشعبية المتواصلة أسبوعياً في العاصمة بغداد، وعدد من المحافظات الأخرى.
ومما زاد المشكلة تعقيداً في نظر البعض، اعلان الحكومة المركزية في السادس والعشرين من شباط الماضي، موافقتها على مشروع لخصخصة قطاع الكهرباء في عدد من المحافظات، الأمر الذي يواجه رفضاً في أغلب المحافظات خشية ارتفاع الأجور المطلوبة عن هذه الخدمة العامة.
محافظة ذي قار الجنوبية التي تعاني جملة من المشاكل في مجال الكهرباء أبرزها تقادم الشبكات والخطوط الناقلة للطاقة، تتهم على لسان اعضاء في مجلسها وزارة الكهرباء، بالتعمد في قطع التيار الكهربائي عن المواطنين، من أجل فرض مشروع الخصخصة، كما تشكو من أن مشكلتها الدائمة تكمن في تداخل الصلاحيات مع المركز. وما بين هذا وذاك، يرى ناشطون في المحافظة، أن مشروع خصخصة الكهرباء يستهدف الفقراء منهم، ويعتبرونه إذعاناً من جانب الحكومة الاتحادية لسياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بل هم يتهمون الحكومة المحلية بالتواطؤ مع المركز لتمرير هذا المشروع.
لكن حكومة ذي قار المحلية، تحاول جاهدة دفع الاتهام عنها، إذ يؤكد عضو لجنة النفط والطاقة في مجلس المحافظة يحيى المشرفاوي في حديث لـ(لمدى)، رفضهم لمشروع الخصخصة، ويقول: نحن كحكومة محلية وقطاعات وتيارات شعبية في ذي قار، نرفض رفضاً قاطعاً الخصخصة وزيادة الأسعار، كونها تؤثر في شريحة الفقراء وذوي الدخل المحدود. ويضيف: هناك الكثير من ابناء المحافظة، غير قادرين على دفع فاتورة الكهرباء حتّى بأدنى اسعارها، فكيف الحال لو تضاعفت أجورها بعد الخصخصة؟، ويقول: إن الكهرباء على تماس مباشر مع حياة المواطنين ومتطلباتهم اليومية وتحوليها للاستثمار يعني زيادة أجورها.
الى ذلك يرى عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس المحافظة رشيد السراي، أن الراغبين في مشروع خصخصة الكهرباء، يحاولون الترويج للمشروع في مناطق شمال الناصرية، لكن المواطنين قابلوا ذلك بالرفض والاستهجان، حتى انهم عمدوا الى تمزيق بعض اللافتات التي تم تعليقها كإعلان عن مشروع الخصخصة.
ويستطرد السراي في حديث لـ(لمدى): المشكلة اننا لازلنا نعيش حالة تنازع حول الصلاحيات بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، والأخيرة بوزاراتها، تتجاهل الحكومات المحلية في الكثير من ال
أمور، متابعاً: ومع أن قطاع الكهرباء من الاختصاصات المشتركة بين الطرفين وفقاً للدستور ولا يحق لطرف من الأطراف أن ينفرد بقرار تنظيم وتوزيع الطاقة الكهربائية على المواطنين، ومع احقيتنا بالاعتراض على هذا القرار، إلا أن هناك من يتجاهل هذا الحق ويؤيد قرار الوزارة بالخصخصة حتى من داخل المحافظة .
ومع الرفض الشعبي والحكومي لمشروع خصخصة الكهرباء في أغلب المحافظات كالمثنى، واسط، الديوانيّة، النجف، يهدد ناشطون في محافظة ذي قار، باللجوء للقضاء في حال لم تعدل الحكومة عن قرارها هذا، كما يقول الناشط المدني خالد هاشم الزيدي في حديث لـ(لمدى)، ويتساءل عن موقف الحكومتين التشريعية والتنفيذية في ذي قار، من مشروع الخصخصة لقطاع الكهرباء، الذي يعني فرض تسعيرة جديدة من خلال المستثمرين بهذا المجال الذي تبنته الحكومة الاتحادية متمثلة بوزارة الكهرباء، من خلال توقيع عقد الاستثمار مع شركات خاصة.
يضيف الزيدي: عقدنا ندوات عدة في هذا الشأن، وكان الجميع رافضاً بشكل تام لمشروع خصخصة الكهرباء، كما أكدوا ضرورة استمرار الضغط على الحكومتين المحلية والاتحادية لثنيهما عن توقيع العقد بهذا المجال، مستدركاً: وفي حال عدم الاستجابة لمطالبنا، سنرفع دعوى قضائية لدى المدعي العام، باعتباره الراعي الأول للمال العام وحقوق المواطن، لنرى كيف يتم النظر بها من قبل المحكمة الاتحادية، كون الحكومة المحلية اصبحت ضد المواطن.
الناشط المدني كريم السعيدي يرى أيضاً، في اصرار الحكومة الاتحادية على تطبيق مشروع خصخصة القطاع الكهربائي إذعاناً لسياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قائلاً في حديث لـ(لمدى)، إنه ومنذ العام 2003 وحتى الآن، لم نسمع سوى تصريحات عن الخصخصة والاستثمار دون أي تطوير في الانتاج ولاسيما في قطاع الكهرباء، خاصة وأن المواقف المعلنة لأغلبية اعضاء الحكومة المحلية بشقيها التنفيذي والتشريعي، تؤكد انها ضد الخصخصة، لكن لا نعلم من هي الأطراف الحكومية المستفيدة من الخصخصة كي يتم فرضها بهذا الشكل على ابناء المحافظة، مضيفاً، لذلك فنحن ضد خصخصة قطاع الكهرباء ورفع اسعارها كونه يضرّ بمصالح المواطنين في الناصرية التي تحتضن اكثر من35 % من هم دون خط الفقر.
ويتفق خالد ثامر الناصري، وهو ناشط آخر، مع زميله، في أن المتضرر الاكبر من مشروع خصخصة الكهرباء، هم الشرائح الفقيرة التي تشكل معظم سكان المحافظة الذين يعانون من البطالة والعوز والحرمان وانعدام الخدمات الاساسية، لافتاً الى أن، القائمين على مشروع الخصخصة لم يضعوا في حساباتهم الاوضاع الاقتصادية المتردية التي يواجهها سكان المحافظة، بل هي محاولات لترحيل أزمة وزارة الكهرباء والالتفاف على قضايا الفساد التي تواجهها.ويدعو الناصري وزارة الكهرباء، الى زيادة انتاج الطاقة والعمل على تجهيز المواطنين بالكهرباء على مدار الساعة قبل التفكير بخصخصة الكهرباء وفرض تسعيرة غير منصفة في ظل انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، خاصة وأن الوزارة تعهدت سابقاً، بتجهيز الكهرباء عند تطبيق قرار الخصخصة، مما يعني أن الطاقة الكهربائية متوفرة والوزارة تمنعها عن المواطنين من اجل فرض الخصخصة، مؤكداً أن "انقطاع التيار الكهربائي أثقل كاهل المواطنين وفاقم من معاناتهم طيلة الأعوام الماضية، وإن وزارة الكهرباء مطالبة اليوم بتبني مشاريع حقيقية لرفع انتاج الطاقة الكهربائية".
وكان مجلس محافظة ذي قار قد أعلن في 19 كانون الثاني الماضي، رفضه "القاطع" لمشروع خصخصة قطاع الكهرباء في مناطق المحافظة، فيما طالب الحكومة المركزية ووزارة الكهرباء، بعدم تحميل المواطنين "تبعات فشلها الإداري".
يذكر أنّ وزارة الكهرباء، وقّعت عقدين مع شركة "جنرال إلكتريك" مطلع هذا العام لبناء محطتيّ الناصريّة والسماوة لإضافة 2250 ميغاواطاً للطاقة الإنتاجيّة. كما وقّعت في 11 كانون الثاني/ يناير مع اليابان لتطوير محطّة الهارثة بمحافظة البصرة. وفي 6 آذار/ مارس، وقّعت عقداً لبناء محطّات كهربائيّة ثانويّة.
وتبيع وزارة الكهرباء حاليّاً المواطنين الكيلو واط/ ساعة من الكهرباء بسعر 10 دنانير عند استهلاك ألف كيلو واط، وعندما يرتفع الاستهلاك إلى 1500 كيلو واط يصبح السعر 20 ديناراً، ثمّ يرتفع إلى 40 ديناراً عند وصول الاستهلاك إلى ألفي وحدة.