-2-
يثبت لنا أصغر فرهادي في فيلمه (بائع متجول) انه صانع حكايات متفرد، يصوغ من التفاصيل الصغيرة موضوعات تنفذ الى قضايا تتعلق بهموم وهواجس وأحلام نعيشها، موضوعات مغرقة في محليتها لكنها بالتأكيد، تمدّ اهتماماتها خارج حدود المحلي لتنسج همّاً انسانياً مشتركاً.
يضمن فيلمه موضوعاً مسرحياً، يبدأ وينتهي بمشهد من المسرحية.. هي مسرحية عالمية معروفة (موت بائع متجول) لارثر ميلر ونال عنها جائزة "بوليتزر".. وفي كل أعماله يلقي ميلر الضوء على قضية الفقر والطموح العائلة، وكذلك الاستغلال والطمع وما ينتج عنه من أزمات اجتماعية.
الخوض في تفاصيل الفيلم، تظهر المقاربة الواضحة بين موضوعه وموضوع المسرحية.. وعلى جري أسلوب فرهادي، وخاصة في آخر عملين له، الأجواء وحتى الشخصيات نفسها تتحرك في مجال يجرب المخرج فيه - اعني المجال – رؤاه.
نحن أمام عائلة صغيرة مكوّنة من زوج عماد (شهاب حسيني)، وزوجته رانا (ترانة عليدوستي)، يعيشان في مدينة طهران المكتظة بناسها حدّ الاختناق، يعمل عماد مدرساً للغة، ويحظى بمحبة طلابه فيما يعمل ليلًا ممثلاً، في المسرح مع فرقة من الدرجة الثانية، وتعمل معه زوجته ممثلةً في الفرقة ذاتها، وكانا يجهّزان لبدء مسرحية مأخوذة عن نص (موت بائع متجول) لارثر ميلر.. يفاجأن بأعمال حفر تجري بجوار المبنى الذي يقطنان فيه، وصيحات تطالب سكان العمارة بالإخلاء، حيث تهتز العمارة وسط تصدّع الزجاج والجدران. يهم الزوجان بالمغادرة، بينما ينشغل عماد لمساعدة سيدة مسنّة على نقل ابنها المُعاق لخارج المبنى، نعرف فيما بعد أن العمارة لا تنهار، لكنها في الوقت نفسه، غير قابلة للسكن، فيقرر الزوجان المبيت مؤقتاً في قاعة المسرح، قبل أن يجد زميلهما الممثل باباك، شقة للانتقال إليها، وينتقلا اليها ويكتشفان أن هناك غرفة مقفلة، ويخبرهما باباك، أن المستأجرة السابقة خزنت أغراضها في تلك الحجرة، وأنه كان من المخطط، أن تأتي قبل تسلمهما الشقة، لتنقل محتويات الغرفة، إلا أنه حدث ما عطّلها عن استئجار شقة جديدة، وقد تحتاج أياماً عدّة، لتأتي من أجل نقل أشيائها، ليكتشفا فيما بعد أنها مومس. ويضطرعماد لفتح الغرفة ونقل اشيائها الى السطح مما يثير غضبها عندما تعرف بالأمر عن طريق باباك.
وتتغير الأحداث بدخول شخص غريب الى شقة الزوجة، عندما تفتح باب الشقة بالخطأ وهي داخل الحمام، ليعود عماد ويجدها ممدّدة على أرض الحمام والدماء تسيل منها. ثم تبدأ رحلة انتقام الزوج بعد أن يرفض إبلاغ الشرطة.
الحركة بين البيت (المؤقت) وكواليس المسرح للزوجين اللذين ينتميان للطبقة الوسطى.. يحكمهما القلق واللا استقرار، وايضاً اللا يقين من كل شيء، وربما لهذا السبب لجآ الى المسرح.. ليفرغا شحنة تكاد تخنقهما، فمن جهة الزوجة المصدومة التي تعيش خوفها الخاص ويأسها والتي تضطر في أحد المشاهد، الى الانهيار والخروج عن العرض المسرحي.. والزوج الذي تسكنه مشاعر الانتقام وأخذ الثأر، والذي نراه بمشهد الرقود في التابوت (ينصت) لما تقوله زوجته في المسرحية، ومن جهة أخرى المتهم وعائلته الذين يبدون محاصرين بالخوف من كشف الحقيقة، وخوف الرجل الجاني الذي يحيلنا الى خوف (ويلي) بطل مسرحية ميلر، من فضيحة كشف علاقته مع المرأة الأخرى أمام أولاده وزوجته.
فرهادي.. بائع الجمال المتجول
[post-views]
نشر في: 15 مارس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...