TOP

جريدة المدى > سينما > "البئر".. عطش الصورة والأحداث

"البئر".. عطش الصورة والأحداث

نشر في: 16 مارس, 2017: 12:01 ص

خرج الفيلم الجزائري "البئر" للمخرج لطفي بوشوشي، من قائمة ترشيحات الأوسكار، سواء في القائمة الطويلة أو القصير، وهذا ما لم يكن متوقعاً لفئة واسعة من الجزائريين، الذي رأوا بأن هذا الفيلم يستحق أن يكون في القائمة، نظراً إلى الحملة الإعلامية الكبيرة التي

خرج الفيلم الجزائري "البئر" للمخرج لطفي بوشوشي، من قائمة ترشيحات الأوسكار، سواء في القائمة الطويلة أو القصير، وهذا ما لم يكن متوقعاً لفئة واسعة من الجزائريين، الذي رأوا بأن هذا الفيلم يستحق أن يكون في القائمة، نظراً إلى الحملة الإعلامية الكبيرة التي رافقت الفيلم، بالإضافة إلى "ثيمة" الثورة التي تناولها، وهي من بين الأسباب التي خلقت التعاطف، وغيّبت القراءات النقدية التي يمكن أن تضع هذا العمل في طريقه الصحيح، والنظر له كمنجز يخضع للمساءلة الفنية، وقد جاءت هذه المراجعة كي ننصف هذا الفيلم من خلال إبراز هناته، والتي ربما لم تجعل منه أحد خيارات لجنة الانتقاء بالأوسكار.

يروي الفيلم قصة حدثت في إحدى القرى الواقعة في الجنوب الجزائري سنة 1960، إبان الاحتلال الفرنسي، حيث تعرضت لحصار شديد من قبل قوة عسكرية فرنسية، بعد أن شكت الأخيرة بأن سكانها قاموا بتصفية جنود فرنسيين، وهذا ما عرّض سكان هذه القرية إلى عطش، خصوصاً الأطفال والشيوخ الذين لم يتحملوا، وبدأوا في الضعف والذبول رويداً رويداً، خصوصاً وأن البئر الوحيدة التي لديهم فسد ماؤها بعد أن تم رمي الجنود الفرنسيين فيها.  
لا نستطيع أن نقول بأن فيلم "البئر" جيد، وفي نفس الوقت لن نقول عنه بأنه سيئ، وأحسن تصنيف يمكن أن يحظى به هذا العمل هو "متوسط"، لعديد الأسباب، والتي سنسوق البعض منها في هذه المُقاربة المهنية، والتي صنّفنا من خلالها المطبّات التي حالت دون أن يُقدّم الفيلم بصورة أفضل.
أول ما يمكن استخلاصه بعد الانتهاء من الفيلم، هو أن هناك شحاً واضحاً في ضخ الأحداث وتنوعها، ما جعل الفيلم يسير تقريباً، في خطى متثاقلة، تشُد أنفاس المتلقي وتحبسه في نمط سلبي، رغم المُدة الزمنية الطويلة التي تفوق الساعة والنصف الساعة، وهي مدة يمكن من خلالها تقسيم السيناريو حسب الطريقة العلمية المُتعارف عليها إلى ثلاثة فصول، كل فصل يحتوي على جملة شروط معينة  لضمان الفرجة للمُشاهد، كي لا يشعر بالملل والضيق، وفي نفس الوقت يربط هذه الفصول خيط تمثله "الثيمة" الرئيسة، وفي الفيلم تنعكس هذه "الثورة" وانعكاسها على الشعب، الذي يُعاني يومياً جراء الاستعمار الفرنسي الغاشم، حيث حرمه حتى من حقه في الحياة، بعد أن حاصره بقوته وجبروته، مع الرمزية الكبيرة التي يعكسها "الماء" كقيمة مادية ملموسة، ومدى ارتباطه بالروح كمعنى للحياة والنماء، ولهذا لا يصح فنياً أن تكون كل الأحداث مركّزة حول "الماء"، من هنا غرق الفيلم في المباشرتية والتلقين، إذ يمكن أن تكون مشكلة الماء هامشية لكن في تقبُّلها من طرف المُتلقي/الجمهور تكون كـ"متن"، لا يمكن أن نصنع المأساة ونكسب تعاطف الجمهور، من خلال وجوه الشخصيات الشاحبة، أو مشيتهم التي تشبه "الزومبي"، بالإضافة إلى أن أحاديثهم ووقائعهم مركزة عن الماء، فهذا أمر قاس جداً على المُتلقي، الذي يحس بعملية تمطيط المشاهد وتوسيعها، مع أنه يمكن اختزالها في أكثر الأحيان في الثلث، حيث ستؤدي نفس القيمة الجمالية وأكثر من هذا يكون وقعها أعمق وأشمل، وتجعل من الاستقبال أسهل بكثير، وهذا ما نطلق عليه للأسف "ثرثرة الصورة وعدم دراميتها"، طبعاً هذا الأمر يعود بالأساس إلى مشكلة السيناريو، الذي لم يوفق في رسم حبكة قوية، يجابه بها الأحداث القليلة، لم يراع العديد من الجوانب، مثل عدم خلقه لحكايات ثانوية، يمكن أن تساند قصة الفيلم الرئيسة، وبما أن أكثر من في القرية نساء، لماذا لا نرى ثرثرتهن، وعوالمهن، لماذا لم يتم إبراز علاقة المرأة بالمرأة في هكذا محن، لماذا لم نرَ هناك محاولات لفك هذا الحصار، بما أن الموت بالعطش لا مفر منه، لماذا لم يتم خلق فرص هرب واستغلالها في عملية تكسير "الريتم" الواحد، لخلق نوع من الإثارة التي يحتاجها الفيلم، لماذا لم نرَ مثلاً قصة حب بسيطة بين مراهق ومراهقة ما، رسماً قصة حب لكن هذا الحصار أفسدها، من هنا نضمن في الأقل التقليل من درجات المبالغة، التي انعكست في أكثر من زاوية، من بينها المبالغة في "المكياج"، وهي معطيات ساهمت في تغريب المُتلقي، وتحسيسه بأنه أمام وقائع مفبركة لم تحدث،  أو أنه أمام مجموعة من الممثلين يقفون أمام الكاميرات، يؤدون أدواراً سينمائية جافة بدون روح، لأن الفيلم الذكي هو الذي يزيل تلك الهوة والفاصل بينه وبين المشاهد، حيث يصبح فيه المتلقي جزءاً من العمل والشخصيات، يلبسها حينا، وتلبسه أحيانا، وفي حالة فيلم "البئر" هناك هوة واسعة بينه وبين المشاهد، لأنه أحس بأن هناك تكلفاً ما، حال دون الدخول في تفاصيل الفيلم وقضاياها.  
هذه بعض المعطيات السلبية التي تجعل من فيلم "البئر"غير جدير بأن يتم الدفع به للمشاركة في الأوسكار، لأن أعضاء "أكاديمية فنون وعلوم الصورة المتحركة" والبالغ عددهم نحو 6 آلاف عضو، لا يمكن في حال من الأحوال، أن يختاروا هذا الفيلم في القائمة، لأنهم سينمائيون، ويعرفون جيداً عقل المشاهد وما يحتاجه، من قضايا "مُأنسنه"، والتي تترك أثراً أين ما حلّت، ناهيك عن عدم مراعاة العديد من الشروط الأخرى التي تلتزم بها الأكاديمية، لهذه الأسباب  سبق وقلت قبل شهور، بأن حظوظ فيلم "البئر" في الأوسكار تساوي الصفر.
واستغل هذه الفرصة لأوجه ملاحظة في غاية الأهمية إلى المؤسسات الثقافية الرسمية، الجزائرية وغيرها، وأدعوه لخلق فرص لجميع المخرجين الجزائريين، لتقديم أفلامهم للجنة فنية مستقلة موسعة، وهي وحدها من تنتخب فيلماً ليشارك في الأوسكار ويمثلهم، لأن هذا الأمر يخلق فرصة مساوية للجميع، وفي نفس الوقت هو شرط مهم للجنة الاختيار بالأوسكار، طبعاً هذه الملاحظة ليست موجهة للبلدان التي تستعمل هذه الخاصية، مثل مصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram