اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حكومة "المنظمة السرية"

حكومة "المنظمة السرية"

نشر في: 15 مارس, 2017: 07:17 م

تعيدنا اجراءات حكومات ما بعد 2003 الى ما قبل هذا التاريخ، حيث السلطة هي المالك الحصري للعناصر الاربعة "التراب والنار والهواء والماء"، التي تمثل اصل الطبيعة ومنشأها بحسب علم الخيمياء الاغريقي.
طيلة عقود كنا نجهل أين تذهب اموال النفط، وكيف تنفق ثروات البلاد. وفي وقت لم يكن هناك "موازنة"، كان يحظر الحديث عن مخصصات الحروب والغذاء والدواء، ويجرّم الهمس حول نفقات "القائد الضرورة" وطاقم قيادته، والثروات التي تبدد على جيوش الرفاق والمخبرين ووالخ.
الشفافية، وحق الوصول الى المعلومة كانتا آخر هموم العراقي الذي يكافح للبقاء على قيد الحياة، مهما كانت غارقة بذلّ مكرمات الرئيس الذي احتكر مصير البلاد واهلها طيلة 3 عقود.
بعد 2003 زالت ظلال الدكتاتور الثقيلة، لكن ارثه وتركته واصلتا الزجّ بمصائرنا في متاهات السياسة وصراع الطوائف، وهوس السلطة الذي اجتاح قلوب مناضلي الامس ودعاته، كمرض عضال.
اليوم هناك شعب ينتخب برلمانه، وحكومة تزعم تمثلها لجميع المكونات. لكن لا الحكومة ولا البرلمان يقدمان اجوبة شافية على الارقام التي تطفح بها شاشات هواتفنا النقالة بشكل متواصل، وفي شتى المجالات.
فمنذ 2003 شُكلت المئات من اللجان لمتابعة العديد من الملفات، لكنها وجدت طريقها الى ادراج المكاتب المهملة في هذه الماكنة المترهلة، المسماة بالدولة العراقية. العدد الكبير لهذه اللجان، التي بلغ 9 آلاف بحسب مصادر مسؤولة، اضطر حكومتنا لتشكيل لجنة خاصة لمتابعة وتصفير عمل هذه اللجان التي توظف جيوشا من المستشارين والخبراء، وتستهلك الدرجات الوظيفية والاموال.
لن اعود بعيدا الى الوراء حيث الملفات التي تراكم فوقها التراب، لكني سأكتفي بالتساؤل عن مصير التحقيق بازمة خور عبدالله مثلا؟، ماذا عن ملف احتياطي البنك المركزي الذي تآكل من دون توضيح مناسب؟، ما هو مصير جيوش الفضائيين الذين اكتشفهم رئيس الوزراء غداة توليه منصبه في 2014؟ اين ذهبت وعود رئيس الوزراء التركي، الذي استقبلناه بحفاوة في بغداد، بسحب قواته من بعشيقة؟ طبعا لن نطمع باجوبة واضحة عن عديد القوات الاجنبية على اراضينا، ولا عن مهامها، ولا مستقبل تواجدها، فهذا من "العلم المكنون"!
للاسف حكومتنا المنتخبة لا تعير اهمية تذكر لتساؤلات الصحافة والمراقبين. بل تتخذ مواقف حادة ممن يلحّ في تساؤلاته بهدف كسر جدار التكتم والتضليل الممنهج الذي يواصل رهن مصائرنا لامزجة مستشارين ومساعدين ولجان فرعية غارقة في بحر الروتين حتى اذنيها.
ومع كل ازمة، ترتد الحكومة داخل قوقعتها، كما تفعل السلحفاة عندما تشعر بالخطر. وما ساعد على تكريس هذا المنهج الحكومي، انعدام المعارضة المسؤولة التي تأخذ على عاتقها مسؤولية تمثيل الرأي العام امام السلطة التنفيذية.
آخر هذه الازمات، التي سلطت الضوء مرة اخرى على ازمة الشفافية التي تحرج الحكومة بشكل متواصل، هي الطعون التي قدمها مجلس الوزراء بثلث بنود الموازنة العامة.
فبدلا من توضيح الاسباب التي تدفع حكومة للطعن ببنود مهمة تنص على تقليص استقطاعات رواتب الموظفين، او ايقاف التعيينات في الرئاسات الثلاث، او مراجعة عقود تراخيص النفط مع الشركات الاجنبية، او منع صرف مستحقات المحافظات النفطية من البترودولار... بدل كل ذلك يلجأ رئيس الوزراء لحرف انظار الرأي العام من خلال افتعال ازمة ومعركة جانبية مع مجلس النواب.
وعلى فرض ان البرلمان ناقل مبلغ 50 مليار دينار (يعادل اقل من 50 مليون دولار)، لقضايا تخصّه، فهل هذا يبرر الطعن بفقرات تدعم المنتج الوطني؟ او هل يبرر ذلك حرمان المحافظات الجنوبية، الاشدّ فقرا على مستوى العراق، من ايرادات نفط احرق ابناءهم بحروبه ومخلفاته؟ ما علاقة ذلك بالاستمرار في حرمان المحافظات من 50% ايرادات الجباية او ايرادات المنافذ الحدودية؟!
للاسف كل ما يحيط بنا يؤشر لمساعي رسمية وشبه رسمية لاعادة احياء دولة وحكومة "المنظمة السرية" ولكن بنسخة ديمقراطية. لا تقتل، لكنها لا تسمع سوى صوتها، وصوت جيوش المتحدثين باسمها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram