بينما يدفع عدد غير قليل من مسؤولي الدولة الى إقناع الرأي العام، بأن خصخصة المشاريع الصناعية، هي الحل لإعادة الحياة الى القطاع الصناعي المعطّل، فإن المتحقق من تجربة الخصخصة، لم يبرر ما يطرحه هؤلاء المسؤولون، ومصنع السمنت في السماوة مثالاً. يتراوح إنتا
بينما يدفع عدد غير قليل من مسؤولي الدولة الى إقناع الرأي العام، بأن خصخصة المشاريع الصناعية، هي الحل لإعادة الحياة الى القطاع الصناعي المعطّل، فإن المتحقق من تجربة الخصخصة، لم يبرر ما يطرحه هؤلاء المسؤولون، ومصنع السمنت في السماوة مثالاً.
يتراوح إنتاج المصنع حالياً بين 25 ألف طن و30 ألف طن شهرياً (كان في العام 2013 يزيد على 100 الف طن)، وتفوق أرباحه السنوية الملياري دينار. ويضم المصنع ثلاثة آلاف منتسب، تم تسريح أغلبهم وإحالة البعض الآخر الى التقاعد، بعد احالته الى الاستثمار من قبل وزارة الصناعة في العام 2013، فتولى استثماره ائتلاف شركتي لافارج والروّاد العراقيتين، ويشكو المتبقي من عمّاله من عدم انصافهم وتأخر دفع مستحقاتهم المالية لثلاثة أشهر متتالية، وتحمّل ادارة محافظة المثنى، وزارة الصناعة والمعادن، مسؤولية ما تصفه بفشلها في تجربة إحالة المصنع للاستثمار، فيما يؤكد اتحاد العمال في المحافظة، مخالفة المستثمر لبنود العقد من خلال اعتماده على العمالة الأجنبية على حساب العمّال المحليين.
محافظ المثنى فالح سكر الزيادي، يحمّل في حديث لـ(لمدى) وزارة الصناعة والمعادن، مسؤولية ما وصفه بفشلها في تجربة إحالة مصنع سمنت المثنى للاستثمار، داعياً إياها، إلى سحب العمل من المستثمر ورفع المعاناة عن العمال ودفع رواتب ومستحقات بعضهم المتأخرة، مؤكداً: إن الوزارة أحالت المصنع للاستثمار، ولم تتابع عمل المستثمر لضمان حقوق الموظفين، خاصة وانها أحالت المصنع لشركة استثمارية "ليست مؤهلة" لإدارة المصنع.
الزيادي يبيّن أيضاً، أن حكومة المحافظة، كانت وما زالت تدعم الاستثمار، لكن بشرط أن يكون وفق أسس واضحة وسليمة تضمن حقوق العاملين في المنشآت المحالة للاستثمار، كما ينوّه، الى ضرورة أن تعمل وزارة الصناعة والمعادن بسرعة لإدامة تشغيل المصنع أو إعلانه كفرصة استثمارية وفق أسس سليمة تضمن حقوق العاملين وترفع من نسب الإنتاج، وهذا ما كان يجب أن يحصل وفق رأيه، ويؤكد كان يحصل العامل على نسب من السمنت تبلغ حجم الطن شهرياً، يدفع على شكل مبلغ أو كمية، وهذا بغض النظر عن الحوافز الأخرى.
عضو مجلس محافظة المثنى علي حنوش، يؤكد بدوره في حديث لـ(لمدى) إن العاملين في مصنع سمنت المثنى، كانوا يتمتعون برواتب مغرية وحوافز شهرية، فضلاً عن حصولهم على المكافآت الشهرية والأرباح السنوية،" لذلك نحن ندرك الآن حجم المعاناة التي يعانونها، وهم لا يملكون حتى رواتبهم الاعتيادية التي يحصل عليها كل موظف شهرياً، مسترسلاً: ونحن في مجلس محافظة المثنى، إذ نعي مشاكل هؤلاء الموظفين، نؤكد اننا نضمّ صوتنا معهم لإيصال معاناتهم الى رئاسة الوزراء، بعد إخفاق وزارة الصناعة والمعادن الكبير بحقهم، كما نؤكد بأن، إدارة المصنع، لم تكن ذات كفاءة ومهنية، بعد اختيار شركة استثمارية لم تكن مؤهلة لإدارة هذا المشروع الوطني المهم الذي كان يجب أن يخدم المحافظة وأبناءها بشكل خاص، ويخدم البلد بشكل عام".
الى ذلك يقول رئيس الاتحاد العمال في محافظة المثنى احمد داخل، في حديثه الى (المدى) إن العشرات من العمال، اضطروا الى الإحالة الى تقاعد بسبب الضغوطات التي مورست ضدهم من قبل المستثمر، أولها عدم صرف مستحقاتهم في الوقت المحدد، أو احتساب أجور الساعات الإضافية، لافتاً: الى أن اللجنة التنسيقية بين المستثمر والعمّال، يجب أن تتحمل مسؤولية هذا الضرر، مواصلاً بالقول: لقد خالف المستثمر بنود العقد من خلال اعتماده على العمالة الأجنبية على حساب العمال المحليين.
ودعا داخل، الحكومة المحلية، الى التدخل الفوري ومخاطبة وزارة الصناعة والمعادن، لحل هذه الأزمة وإعادة حقوق العمال كما كانت سابقاً، فيما العشرات من موظفي مصنع سمنت المثنى، طالبوا مراراً بصرف رواتبهم الشهرية بشكل منتظم دون تأخير، لأنهم لم يتسلموا رواتبهم لأكثر من ثلاثة أشهر.
"ليس استجداء أو منّة من أحد، موظفون لم يتسلموا راتبهم منذ ثلاثة أشهر، وعلى الحكومة أن تنظر بأمرهم لحل المشكلة وصرف مستحقاتهم إسوة بأقرانهم من موظفي الدوائر الحكومية الأخرى، بدون أي تأخير"، بهذه الكلمات بدأ ريكان سلمان، الموظف في المصنع، شكواه في حديث لـ(لمدى) لم يخل من نبرة الحزن قائلاً: وزارة الصناعة، ارتكبت جريمة بحق الإنسانية، من خلال تحويلها مصنع سمنت المثنى الى شركة استثمارية لإدارته، فعندما وقع المستثمر عقداً مع شركة سمنت الجنوب كان عليه إن لا يتسبب بقطع أرزاق أكثر ثلاثة آلاف عامل، من ثم يأتي ليؤخر دفع مستحقات ألف عامل قضى عمره في العمل بهذا المصنع وقدم الكثير من جهده وخبرته خدمة للبلد، مواصلاً: كان على الوزارة أيضاً، إلزام المستثمر ببنود العقد الذي ينصّ على دفع رواتب المنتسبين كما كان سابقاً، مطالباً الحكومة المحلية والمركزية، بالنظر في مطالبنا لأننا اصحاب عوائل ومتضررون.
أحمد السماوي موظف آخر في المصنع، يرى في حديث لـ(لمدى) أن مشاكل المصنع باتت مستمرة وبشكل يومي، وعجز الكثيرون عن ايجاد حل لها، متابعاً: كما اننا ولأكثر من مرة، قمنا بالتظاهر ولا حل يذكر، لذلك فإن الاعتصامات والتظاهرات، ستبقى مستمرة حتى حصولنا على حقوقنا، مستدركاً: نحن لا نستجدي شيئاً من أحد، لنا حقوق يجب الحصول عليها، فما ذنب أطفالنا تعاني الحرمان في بلد يطفو على النفط، متسائلاً: كيف ينتهك حقنا ونحن لم نكن إرهابيين أو قتلة، فقط كنا نعمل بإخلاص طيلة تلك الأعوام، والآن نُجازى بقطع أرزاقنا، ويجدد السماوي، مطالبة الجميع بضرورة إيصال معاناتهم الى رئاسة الوزراء ورئيس الوزراء شخصياً، لينظر في مشكلة، اشهر مرت، نطالب بحلها ولا أحد يسمع مطالباتنا.
وإذ يطالب السماوي، الحكومة المحلية، بالعمل جاهدة لرفع توصية إلى مجلس الوزراء، لإعادة النظر بإحالة المصنع للاستثمار أو إعادته إلى الشركة العامة لسمنت الجنوب التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، يبيّن بالقول إن، مصنع سمنت المثنى، كان يضم ثلاثة آلاف عامل قبل أن يحال الى الاستثمار، وبعد الاحالة قامت الشركة المستثمرة بالاحتفاظ بألف عامل، فيما تم تسريح وإحالة ما تبقى من العمّال الى التقاعد.
الخبير الاقتصادي سامي رضا، يرى في حديث لـ(لمدى)، أن من الإجحاف ظلم وتهميش ألف عامل بل هو تدمير لاقتصاد البلد بحسب وصفه، مواصلاً: وبغض النظر عن ذلك، فاليوم عدد مصانع السمنت في العراق (21) مصنعاً، أربعة منها تابعة للقطاع الخاص، وأربعة أخرى مستثمرة من قبل القطاع الخاص بطريقة المشاركة بالإنتاج، والـ(13) المتبقية حكومية، وأن مجموع الطاقات التصميمية لهذه المعامل يبلغ نحو (25) مليون طن سنوياً، في حين تبلغ الطاقة المتاحة لها نحو (19) مليون طن سنوياً، مستدركاً، فلو توافرت لهذه المعامل الظروف التشغيلية المطلوبة، وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية، فقد يرتفع إنتاج العراق من السمنت الى ضعف الطاقة التصميمية لها، الأمر الذي قد يغطّي حاجة العراق ويمكن التصدير منه.
ويستدرك رضا بالقول: الطاقة البشرية هي الأخرى، يمكن أن تستثمر في هذه المعامل، فيمكن امتصاص البطالة، ورفع دخل العمال السابقين بدل تسريحهم، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من قبل الجميع، ولفت الأنظار لضرورة الاهتمام بالقطاع الصناعي للبلد، ومنه معامل السمنت، التي اهملت بعد فترة الـ"2003" في وقت كان يجب الاهتمام بها بشكل اكبر، لأنها يمكن أن تكون رافداً اقتصادياً مهماً لخدم البلد وابنائه من مختلف الشرائح.
ولم تفلح محاولات مراسلنا المتكررة في الحصول على أية اجابة من الشركة المستثمرة للمصنع، بشأن ما يحصل من تأخير بدفع مستحقات العاملين أو تسريح البعض منهم، كما أن ادارة المصنع المتواجدة حالياً، تتهرب هي الأخرى عن أية اجابة بهذا الشأن.