TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلام ابيض : عتمة الجدران

كلام ابيض : عتمة الجدران

نشر في: 15 فبراير, 2010: 06:00 م

جلال حسن اصلاح الجدران عنوان قصيدة للشاعر (روبرت فروست) كتبها عام 1915 في فترة تأجج حروب القوميات، عندما كانت الاثنيات المتناحرة تمزق اوروبا  انذاك .يقول فيها: " الجدران الجيدة تعطيك جيرانا جيدين" ربما احمل فكرة اخرى بالتضاد مع هذه الكلمات، رغم تشابهه  بعض الطبائع البشرية ،
 ولكن حين وضعت اول قطعة كونكريت بطول 12 قدما  في الحي الذي اسكنه، ادركت ان العتمة في العزلة ظلام دامس ، هكذا ارى في الجدران العازلة لمدينتي، انها اثقال حجر على نبض القلب.مرات ومن سطح دارنا ارى منائر الكاظمية ، وابو حنيفة ، والكيلاني، وكل المباني العالية ، كأنها اقمار تناديني للعناق ، وحينما رُصفت المنطقة الخضراء بمعازل الخرسانة المسلحة، فإنها رسمت خطا سميكا للعزلة عن نبض الشعب ، حواجز مخيفة تحرسها كلاب وحشية واسلحة اوتوماتيكية وكاميرات واسلاك شائكة ، والحراس متهيئون لاطلاق النار حتى لو مرقت قطة جائعة.الجدار الخرساني المعتم هو انهيار العلاقات الانسانية والعزلة المشروطة بالابتعاد القسري. معتما وكالحا أرى  شبح الجدران في الحي الذي اسكنه ، وموحش ذلك الممر الضيق المدجج بالاسلحة والجنود وعمليات التفتيش المزعجة، وكلٌّ منا ينظر بألم حاد ليس للتأخير، وانما للمفارز التي تشبه الى حد ما وربما اكثر النقاط الحدودية في البلدان  المتحاربة على تجارة الافيون والمخدرات. تطويق الاحياء السكنية بالكونكريت هو اعاقة للانسانية  التي يراد بها ان تسير على رجلين سليمتين وليس على صولجان وهو اختناق للحياة والتواصل الادمي.يبدو  حتى الوقت الحالي في اذهان البعض بأن الجدران هي التي اوقفت قتالا دار قبل ثلاث سنوات في عائلة واحدة ، وانها هي التي منعت الاشرار من تنسيق اعمالهم ضد الابرياء  وقتل المدنيين ، لكن العنف زال بتفهم الاهالي لما يجري من تدخل الغرباء في شؤون خاصة، ومن  الذين عبروا الحدود خلسة وتجاوزا وارادوا النيل من لحمة العائلة العراقية الواحدة .العنف زال بمؤشرات التفهم للحياة الجديدة  ونبذ الصنمية والانجاز في العملية السياسية  وتقدم المصالحة الوطنية وفق المحافظة على مزلاج البيت الواحد وقفله بإحكام امام شرور الظلاميين وامراء الذبح ونواياهم البائسة .امام الحقائق نقف متسمرين لدهشة السبب خصوصا في حساب النتائج الكبيرة، لاننا ادرى بشعاب مدننا واهلنا وجيراننا.  العراق يرسم حدوده بحاضرة الحياة، ويستمد وجوده من مسلات القانون والعدالة التي اعلنها للدنيا منذ ازمان بعيدة . الشاعر (فروست) يقول في خاتمة قصيدته " هناك شيء ما لا يحب الجدار "  نعم  ذلك  الشيء الذي لا يحب الجدار هو انا وانت  لاننا امام الحواجز الكونكريتية ندخل في عتمة .jalalhasaan@yahoo.com

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram