صلاح حسنتزداد يوما بعد اخر الاجراءات الضاغطة التي تمارسها السلطات الامنية الامريكية على المواطن الامريكي والحجة جاهزة دائما “ الارهاب “ وحماية السلامة العامة ، خصوصا في الاشهر الاخيرة بعد تعرض بعض الطائرات الامريكية او الذاهبة الى امريكا الى محاولات تفجير . مؤسسات المجتمع المدني في امريكا لم تعد تستوعب هذه الضغوطات التي جعلت المواطن يبدو عاريا امام اجهزتها الرقابية المستحدثة بحيث لم يعد لهذا المواطن اي شيء يتعلق بما هو سري وشخصي .
كل شيء خاضع للرقابة بدءا من البريد الورقي الى البريد الالكتروني والحسابات البنكية الشخصية ومن يشتبه به تقوم السلطات المختصة بمراقبة حتى الهواء الذي يستنشقه . عالم الاجتماع الامريكي اميتاي اتزيوني اصدر كتابا “ دار الساقي “ عنوانه ( الخير العام ) “ اشكاليات الفرد والمجتمع في العصر الحديث “ يحاول فيه الدفاع عن الاجراءات الحكومية الصارمة لانها من وجهة نظره تؤمن حماية المجتمع من العنف الخارجي والداخلي الذي تتعرض له الولايات المتحدة . في مقابل ذلك يرد اتزيوني على اصحاب نظريات الحرية الشخصية بالقول “ ان الطريقة الامثل للدفاع عن الحرية هي باعطاء الحكومة المزيد من الصلاحيات “ الاموات ليسوا احرارا “ . لكن رأي مناصري الحرية الشخصية يعتقد ان بالامكان تقليص دور الشرطة والمحاكم والحاجة الى الدولة واساليبها الاكراهية للحفاظ على النظام الاجتماعي عن طريق الرقابة غير الرسمية التابعة للمجموعات المجتمعية . وبرغم ان اتزيوني يعرف ان الالتزام بالواجبات العامة الشاملة فوق مقدرة الطبيعة البشرية ، الا انه يؤكد ان من الافضل ان تتفوق الواجبات العامة على الخصوصية وان يكون للحقوق الافضلية على الروابط والقيم المجتمعية . فقدان العلاقات الاجتماعية هو احد الاسباب الاساسية الذي يشعر الانسان بالعزلة والانسلاخ والعجز ويدفع به الى الابتعاد عن المجتمع او الى التصرف العدائي حيال المجتمع والانضمام الى العصابات لكي يجد نفسه ضمن مجموعة مهما كانت . ان العزلة تجعل الا شخاص عصابيين او انانيين او نرجسيين ، لذلك ينبغي تغذية وتعزيز هوية المجتمع نفسه عبر المشاركة في اعماله ونشاطاته والاهتمام باعضائه وحماية موارده وثرواته . من جانب اخر يرد اتزيوني على منتقديه الذين يقولون ان الافراد يقررون ما هو جيد لانفسهم ، وان الخير المشترك ينتج عن مجموع هذه الخيارات ، بالقول ان مدرسة الطبيعة الانسانية الايجابية ترى ان الاشخاص بطبيعتهم ايجابيون ومنفتحون على المجتمع ولا يفسدهم سوى الكبت الاجتماعي الذي يفرض عليهم القانون والالتزامات الاخلاقية . ان القوانين التي لا تدعم بالاخلاق قوانين عارية . بعض ممن ينادي بحرية الفرد واستقلاليته يخاف من ان يؤدي الحوار الاخلاقي الى قرارات جماعية تدفع الحكومة الى اجبار الافراد على التقيد بهذه الصيغ المشتركة. يرفض اتزيوني الرأي الذي تردده بعض مؤسسات المجتمع المدني الامريكية الذي يقول “ من الافضل ان يترك الاف المجرمين احرارا بدلا من وضع رجل بريء في السجن “ وفوق ذلك يؤيد بشدة اختبارات الحمض النووي وبعض الاجراءات الاخرى مثل مراقبة البريد الالكتروني والحسابات الشخصية طالما انها تساهم في كشف الجرائم الارهابية . لقد تم اتخاذ 161 اجراء في الولايات المتحدة بهدف اعطاء قانون محاربة الارهاب لعام 2001 الادوات اللازمة لمهمته ، من بين هذه الاجراءات السماح باستخدام تقنية “ اللاحم “ وهو برنامج كومبيوتر تم اكتشافه من قبل مكتب الاستخبارات الفيدرالية ويستعمل لملاحقة وضبط المخابرات الالكترونية لضبط بريد مرسل من قبل متهم او لملاحقة رسائل مرسلة اليه . عند استخدام هذه الطريقة تقوم الاستخبارات الامريكية بفحص ملايين الرسائل لاناس اخرين ، لكنها من خلال استخدام هذه التقنية تستطيع ان تقوم بعملية فرز للرسائل . مكتب الاستخبارات الفيدرالي اعترف انه استخدم هذه التقنية 25 مرة في السنتين الاخيرتين . لقد طورت الحكومة الامريكية خلال هذه الفترة اكثر من تقنية خصوصا بعد ان استعصى عليها فك الشيفرات العالية التقنية وكشف كلمة السر . من بين هذه التقنيات “ نظام كاشف المفاتيح ، والفانوس السحري . هناك اربع طرق لعمل هذه التقنيات : مراجعة الموديم ، الاستخراج من التخزين ، الدخول الى لوحة المفاتيح او عبر العمل من داخل جهاز الكومبيوتر . يتضمن نظام كشف المفاتيح الذي طوره المكتب الفيدرالي للاستخبارات عدة عناصر تعمل سويا للحصول على كلمة سر اي شخص تريد مراقبته . يستفيد اتزيوني من الوثائق التي توفرها له الحكومة الامريكية مثل تصريحات مدير المكتب الفيدرالي حول استخدام تقنية الشيفرة واهميتها في كشف جرائم الارهاب : “ ان شبح الاستخدام الواسع للشيفرة التي لا يمكن ضبطها هو احد المشاكل الكبرى التي تعوق تعزيز القانون في القرون المقبلة والتي تهدد احدى الوسائل التحقيقية الاكثر اهمية واستخداما في التحقيقات وتهدد سلامة مواطنينا . نعتقد بأنه ما لم يتم اعتماد مقاربة متوازنة للشيفرة ، فأن قدرة القانون على اجراء التحقيقات واحيانا اكتشاف الجريمة المهمة ولا سيما المتعلقة بالارهاب مهددة بشكل جدي . “ لا تستثني الاجراءات الامنية الجديدة التي تمارسها الولايات المتحدة اليوم احدا ، ويتجلى ذلك
الموتى ليـسـوا احرارا
نشر في: 15 فبراير, 2010: 06:05 م