اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فــي رثــــاء "المــاركـسي" الذي رفـض أن يحكم الهـنـد

فــي رثــــاء "المــاركـسي" الذي رفـض أن يحكم الهـنـد

نشر في: 15 فبراير, 2010: 06:08 م

د. عبد المدنيخسرت الهند مؤخرا رمزا من رموزها السياسية التاريخية الكبيرة ممن هيمنوا على المشهد السياسي الداخلي طويلا. ففي منتصف يناير المنصرم رحل عن 95 عاما السياسي الماركسي "جوتي باسو" الذي حفر إسمه في تاريخ ولاية "البنغال الغربية"، بل في تاريخ الهند بأسرها كأحد أطول رؤساء حكوماتها المحلية بقاء في السلطة، وأكثرهم وهجا وإنجازا وحضورا.
على أن الأهمية التي جسدها الراحل، لم تتأت من هذا وحده أو من شعبيته الواسعة، أو من نجاحاته المتتالية على مدى نصف قرن في الإنتخابات المحلية والعامة، وإنما أيضا من حقيقة إيمانه بالديمقراطية الهندية، وبالتالي عمله من خلال أطر هذه الديمقراطية لتحقيق أجندته الماركسية، وذلك بمعنى عدم لجوئه للعنف والأساليب القهرية للإستيلاء على السلطة والبقاء فيها، على نحو ما فعله أقرانه الماركسيون في الصين و الإتحاد السوفيتي و دول أوروبا الشرقية والهند الصينية والشرق الأوسط. بل أن الراحل كشف للعالم أجمع عن زهده في حكم الهند حينما طلب منه قادة جبهة الأحزاب اليسارية و العلمانية في عام 1996 تولي رئاسة الحكومة الهندية المركزية لضمان وحدتهم وتماسكهم، وكوسيلة أيضا لحصد دعم جماهير العمال والفلاحين والطلبة والمعروف أن الراحل كان قد قرر في نوفمبر 2000 بمحض إختياره ولأسباب صحية ترك السلطة كرئيس وزراء شيوعي منتخب ديمقراطيا لولاية "البنغال الغربية"، بل آثر بالتزامن أن يعتزل الحياة السياسية وقيادة الحزب الشيوعي الماركسي الهندي ورئاسة جبهة الأحزاب اليسارية، واضعا بذلك حدا لصفة إلتصقت بإسمه هي "أقدم رؤساء الحكومات الشيوعية في العالم". وقتذاك أثار هذا الحدث ضجة إعلامية وردود أفعال متباينة في الوسط السياسي الهندي، إنطلاقا مما كان للرجل من نفوذ وتأثير وتاريخ طويل حافل بالمعاني والإنجازات والمعارك السياسية. فعلى مدى عقود طويلة في حقبة ما قبل الإستقلال كان "باسو" رمزا وطنيا ومحرضا جماهيريا وطاقة تعبوية ومحاربا عنيدا من أجل الحرية والعدالة الإجتماعية، ثم صار في حقبة ما بعد الإستقلال إداريا ناجحا ومعارضا شجاعا ومشرعا حكيما وحزبيا قادرا على تكييف معتقداته الماركسية مع المستجدات وتطويرها بما يتناسب مع الواقع المحلي الهندي. وظل حاله على هذا المنوال حتى في أوج ضعفه الجسدي الناجم عن تقدمه في العمر، وأوج ضعفه الإيديولوجي الناجم عن إنهيار الدولة الشيوعية الأم في موسكو. ويمكن القول أن تاريخ الرجل الحافل وثقافته الواسعة وتجاربه الطويلة في العمل هي التي مكنته من مواجهة الصعاب دائما بنجاح، فيما كان أصدقاؤه وخصومه يسقطون تباعا. ويمكن القول ايضا أن غيابه اليوم عن المشهد السياسي لا يعني موت حزبه أو موت الشيوعية في الهند، لسبب بسيط هو أن الأخيرة ليست حزبا برجوازيا أو وراثيا أو قمعيا، وإنما حزب يؤمن بالأساليب الديمقراطية والإقتراع الحر في إختيار قياداته. والحقيقة أن مثل هذا القول ردده "باسو" بنفسه وقت إعتزاله في عام 2000 أي حينما كان حزب "بهاراتيا جاناتا القومي اليميني" يحكم الهند ويروج لقرب أفول اليسار السياسي في عموم الهند، حيث سجل عنه قوله: " أقول للذين يروجون لفكرة أن الشيوعية قد ماتت، أن الذي مات هو تجارب معينة إسترشدت بالمباديء الشيوعية، وليس الشيوعية كفكر ومنهج. وكان هذا الكلام موجها أيضا لحزب المؤتمر (أكبر أحزاب البلاد التاريخية وصانع إستقلالها) لأن الأخير كان منذ فجر الإستقلال في معارك سياسية مع "باسو" وما يمثله، بل كان يعامله كخصم لا يمكن الإتفاق معه إلا في جزئية صغيرة من سياساته هي تلك المتعلقة بالتصدي لمشاريع وبرامج القوى القومية المتشددة الساعية لتحويل الهند إلى كيان أحادي الثقافة. لكن من هو "جوتي باسو" هذا الذي تمكن من ترسيخ إسمه في تاريخ الهند المعاصر؟ وماذا يذكر البنغاليون له؟ ولد "باسو" في عام 1913 لأسرة متوسطة الحال كان ربها طبيبا منحدرا من منطقة تقع حاليا ضمن أراضي بنغلاديش. ونشأ وتلقى علومه الأولى في كلكتا قبل أن يلتحق في عام 1925 بكلية "سانت زيفيير" لدراسة القانون، و الكلية الهندوسية لدراسة الإنجليزية. وفي عام 1935 رحل إلى بريطانيا بهدف مواصلة تعليمه العالي في القانون، مثلما فعل قريناه جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح، حيث إلتحق هناك بجامعة لندن، متتلمذا على يد كبار فلاسفة الماركسية الإنجليز، الأمر الذي مهد أمامه الطريق للتعرف على الأفكار الشيوعية الرائجة في أوساط اليسار البريطاني. تلك الأفكار التي لقيت هوى في نفسه فجعلته يلغي خططا سابقة للعودة إلى الهند لمزاولة المحاماة. على ان ظروف الحرب العالمية الثانية لم تترك للرجل خيارا سوى العودة الى بلاده في عام 1940 ليلتحق فورا بالحزب الشيوعي الهندي. وسرعان ما إستطاع أن يلفت النظر إلى مواهبه القيادية والخطابية والتنظيمية التي كان قد صقلها بالعمل في صفوف إتحاد الطلبة الهنود لما وراء البحار في لندن ، فاختاره الشيوعيون الهنود في أول مؤتمر قانوني لهم في عام 1943 كمنسق للجنة الحزب في ولاية البنغال على رأس سبعة أعضاء. في عام 1944 وبطلب من قيادة حزبه أسس "باسو" أول إتحاد لعمال سكة حديد البنغال –آسام ب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بسبب الحروب.. الأمن الغذائي العالمي على حافة الهاوية

اعتقال "داعشي" في العامرية

التخطيط تبين أنواع المسافرين العراقيين وتؤكد: من الصعب شمول "الدائميين" منهم بتعداد 2024

هروب امرأة من سجن الاصلاح في السليمانية

وفاة نائب عراقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram