أنه أمر غريب شاع في السنوات الأخيرة، أن يروّجَ الضحايا لثقافة الجلاد، حيث يتشارك في هذا، ناس من مختلف القوميات والطوائف والمذاهب والأجناس، رجال ونساء، متعلمون وأميون، لا أبالغ إذا قلت، عدد المتعلمين منهم أكبر، أو كلما كانوا متعلمين أكثر، كلما اقتربوا بتماهيهم من الجلاد أكثر، والجلاد هنا ليس بالضروري يملك سلاحاً بيده، بل أغلب الأحوال، صاحب منظر يحاول منح المعقولية لسلوكه، إذا لا يبذل في كل ما بوسعه من جهد لمنح المصداقية لشخصه، خاصة في البلدان الديموقراطية التي تسمح بالإعلان والترويج للبضاعة، حتى إذا تعلق الأمر ببضاعة الأفكار، كما هي الحال في مرحلة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. وهو هذا الموضوع الذي أريد الإشارة إليه، فهي ليست المرة الأولى، التي يلفت نظري سلوك العديد من الأجانب الذي يتبنون أيديولوجية ودعاوى جلاديهم المستقبليين، ظنّاً منهم، أنهم غير معنيين مباشرة من الأضرار التي تلحقها سياسة هؤلاء، في حالة فوزهم في الانتخابات، أو هم لا يريدون أن ينظروا بعين الجدِّ إلى ممارسات أنصار هذا المرشح أو ذاك، هذا الحزب أو غيره. رأينا ذلك في حالة دونالد ترامب، عندما حصل على تأييد بين بعض المقترعين من غير البيض أو من غير النساء أو من المسلمين، أو من دعاة العمانية أيضاً، ليس من الغريب أن يتسابق على كسب مودّته شخصان ظاهرياً، هما معاديان، لكن عملياً، وقع الاثنان في حب دونالد ترامب، ألا وهما الحاكم السعودي والحاكم السوري، ولا داعي لذكر الأسماء!
لا أريد الحديث هنا عن الحكام، لأن لهم مصالحهم وحروبهم وصفقاتهم التي تفوق عفونتها إلى عنان السماء، سأكتفي هنا بالحديث عن سلوك البعض من شركائي بالمواطنة، مواطنو بلاد كان أسمها الجمهورية العراقية ذات يوم. فهناك لاجئون عراقيون جاءوا إلى أوروبا، كما يدّعون، هاربين من الديكتاتورية والبؤس في العراق، وكما يبدو أن هؤلاء، أما أنهم كانوا خربين مسبقاً في بلادهم، المخرب أصلاً العراق، أو أنهم لا يعرفون ماذا يدور في أوروبا حتى الآن، يقومون من حين وآخر، بالترويج لسياسيين أوروبيين من الفاشية والنازية الجديدة، دون أن يدرون، أن هؤلاء الفاشيين والنازيين إذا تسلموا السلطة، لن يترددوا عن قتلهم ذات يوم أو رميهم في المحرقة، أنهم فرحون بما يقوله هؤلاء الفاشيّون عن الاسلام ورجب أردوغان، دون أن يدرون أنه كلام حق يُراد به باطل، ومن يصدقه، يكون مثل من صدق صدام حسين ذات يوم، وهو يتحدث عن الحرية والاشتراكية والعلمانية... لقد عشنا ذلك في الأيام القليلة الماضية على أعتاب الانتخابات الهولندية، التي جرت يوم الاربعاء 15 آذار/مارس 2017، فقد قام البعض من العراقيين، بالترويج لفيديو السياسي الفاشي الهولندي غيرت فيلديس، رغم أن العنصري هذا معروف بديماغوجيته، معروف أنه يكذب على الهولنديين بالحديث عن الحرية والديموقراطية ويشتم أردوغان والأتراك، وهو لا يختلف في كذبه عن كذب أردوغان على الأتراك، ثم من يؤمن بالديموقراطية والانتخابات، عليه أن يقبل بما يرضاه الاتراك... هل نسينا من يحكم أميركا اليوم؟ أنه دونالد ترامب القريب من الجنون الذي لا يكون مجنوناً بالفعل، لكن رغم ذلك انتخبه الاميركان؟ وهل نحن بحاجة للتذكير من انتخب الذين يحكمون وسيحكمون في العراق؟
على أية حال، أنه بالفعل زمن بائس، أن يتوسل البعض من الذين يدّعون أنهم هربوا من الديكتاتورية والعنصرية، بسياسيين أوروبيين نازيين، يدعون لطرد كل أجنبي من أوروبا، من أجل الرد على التخلف والتطرف الديني بالترويج لدعاوى السياسيين العنصريين هؤلاء... يا للبؤس بالفعل... أن ينقل كلام هذا الرجل ناس هربوا إلى أوروبا وطلبوا اللجوء فيها، ظنّاً منهم أن فاشيين، مثل الهولندي غيرت ويلديس والفرنسية ماري لوبين والالمانية فراوكة بيتري سيستثنونهم من الطرد والملاحقة، بل لن يخضعونهم لدعواتهم لإلغاء الجنسية عن الأجانب، بغض النظر عن أي بلد أو أصل؟ أيّ جهل وغباء؟ أنهم بلا وعي أو إدراك.. لا الهولندي الفاشي غيرت ويلديس الكريه هذا، ولا الكريهة الفرنسية ماري لوبين، ولا الكريهة الألمانية فراوكة بيتري هم أوروبا... أوروبا هي ليست الأحزاب الفاشية التي يقودها هؤلاء... أوروبا هي منظمات المجتمع المدني والتضامن التي تحمي حتّى الضحية التي تروّج لثقافة الجلاد!
الضحية الذي يروّج لثقافة الجلاد
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2017: 09:01 م