لنفترض أن المارد السحري ظهر على مكتبك الآن وعرض عليك ان يحقق لك ثلاث أمنيات. فماذا يمكن أن تطلب منه؟ " من الطبيعي ان الإجابات التي يمكن ان نتوقعها، لا تتعدى أشياءً مثل الثروة، والشهرة، والصحة، والنجاح الوظيفي، والسلطة. ولكن هناك مفا
لنفترض أن المارد السحري ظهر على مكتبك الآن وعرض عليك ان يحقق لك ثلاث أمنيات. فماذا يمكن أن تطلب منه؟ " من الطبيعي ان الإجابات التي يمكن ان نتوقعها، لا تتعدى أشياءً مثل الثروة، والشهرة، والصحة، والنجاح الوظيفي، والسلطة. ولكن هناك مفاجأة: على الرغم من حقيقة أن تحقيق السعادة يقع في المراتب المتقدمة من أمنيات معظم الناس (وفي كثير من الأحيان في المرتبة الاولى)، لكن لم نسمع في السابق ان شخصا قد طلب من المارد السحري ان يحقق له السعادة فلماذا؟
عن هذا الموضوع صدر كتاب جديد،عنوانه: إذا كنت ذكياً ، فلماذا لا تشعر بالسعادة؟ والكتاب يقدم بعض الأفكار الرائعة حول هذه القضية من بين قضايا اخرى تناولها بالبحث. مؤلف الكتاب هو راج هوناتان، وهو أستاذ في كلية ادارة الأعمال في جامعة تكساس، ورغم انه يقوم بتدريس موضوع السعادة على مدى السنوات الخمس الماضية لكنه قام بابحاث في هذا الموضوع قبل ذلك الوقت و لفترة طويلة. وبناء على أبحاثه الخاصة، ومئات الدراسات الاخرى حول موضوع السعادة المذكورة في ملحق الكتاب، فقد حدد المؤلف سبعة أسباب أساسية تجعل الاشخاص الاذكياء والناجحين أقل سعادة من الناس العاديين.
على ما يبدو، فانهم اذكياء جدا عندما يتعلق الأمر بمصلحتهم. والاشخاص ذوو الذكاء فوق المتوسط دائما ما يبخسون " قيمة" السعادة. الجميع يرغب بالسعادة، ولكن عندما سُئلوا لماذا لم يطلبوا من المارد السحري ذلك؟ اجابوا أنهم يخشون من ان تجعلهم السعادة كسالى، أو أن تكون السعادة عابرة، وان السعادة هي "شيء مجرد للغاية ، لا سيما بالمقارنة مع المال، والشهرة، أو المكانة الاجتماعية."
يشير المؤلف بعد عرض عدد من الدراسات حول الطرق التي يسعى من خلالها الناس لتحقيق أقصى قدر من السعادة " إلى أن الناس يمكن أن ينشغلوا في جمع المال" – أوالبحث عن الشهرة أو الجاه أوحتى ملء الفراغ - "لدرجة أنهم ينسون لماذا أرادوا ذلك في المقام الأول؟ "
و يغيب عن بال الاذكياء كل ما من شأنه أن يجعلهم سعداء حقا لانهم يخضعون كل حالة الى حساب الربح والخسارة، وبهذا يسحقون عمداً أي ردود فعل عاطفية نحو الخيارات المتاحة.
يقول مؤلف الكتاب ان هذا أمرٌ جيدٌ اذا ما كان يتعلق باختيار الاستثمارات المناسبة ولكنه لا ينطبق على كل شيء في الحياة،. و على سبيل المثال، فقد اجرى تجربة في جامعة شيكاغو، على عدد من الاشخاص و طلب منهم الاختيار بين نوعين من الشوكولاتة. وكان حجم قطعة الشوكولاتة من النوع الاول أربعة أضعاف حجم النوع الثاني ، ولكن النوع الاول كان على شكل حشرة ضخمة. اما القطعة الثانية فكانت بنفس حجم وشكل قطع الشوكولاته النموذجية.
ويكتب المؤلف قائلا "لا يوجد إختيار صحيح متفق عليه عالميا، ولكن بطبيعة الحال، فان فكرة تناول حشرة هو امر مثير للاشمئزاز،لذلك من الطبيعي أن يتم اختيار القطعة الأصغر، لان شكلها مقبول ومع ذلك، وبسبب الاصرار على اتخاذ قرار "عقلاني"، بدلا من اتخاذ قرار عاطفي اختار 68٪ من المشاركين في التجربة من الاشخاص فائقي الذكاء قطعة الحلوى الأكبر التي كانت على شكل حشرة. ويضيف المؤلف "غني عن القول "إن هولاء الاشخاص لم يستمتعوا فعلا بتناول الشوكولاته."
فإذا كنت ذكيا يمكنك ان تأخذ نظرة فاحصة على الطرق السبع المختلفة التي جعلت الاشخاص الاذكياء يختارون في نهاية المطاف قطعة الشوكولاته التي تشبه شكل الحشرة، و لحسن الحظ، فان المؤلف يقدم سبع "عادات لتحقيق السعادة الكاملة" التي تصف كيف يمكن للشخص ان يوقف شعوره بالتعاسة؟ ويحسب للمؤلف ، انه يعترف بأن التخلي عن طريقة تفكيرنا ليس بالامر البسيط أو السهل. ويعود هذا جزئيا لأن معظمنا "قد تعوّد على التقليل من القيمة الحقيقية للسعادة منذ ايام الطفولة"، و يبدو أن الاشخاص الاذكياء قد استوعبوا هذه الدروس بشكل عميق للغاية اكثر من غيرهم..لا سيما انه من الصعب على آباء الاشخاص الاذكياء ان يتجاهلوا تعليم ابنائهم التفكير بهذه الطريقة . واكتشف المؤلف ذلك عندما بدأ يتضايق لان ابنه الصغير فضّل اللعب بصندوق كبير من الورق المقوى ، بدلا من اللعبة باهظة الثمن التي اشتراها له. كما يروي ذلك قائلا " أدركت أن السبب يعود الى أننا نعلّم أطفالنا ما هي قيمة المال، والمكانة الاجتماعية، والجمال، والسلطة، الخ؟ – ولا نعلمهم ما هي الاشياء التي تجعلهم سعداء بالفعل ؟" حتى انه التزم الصمت وسمح للطفل باللعب بصندوق الورق المقوى .
*عن مجلة التايم