يزخر العراق بمصادر الثروة المستدامة التي احيلت الى الإهمال والنسيان بالركون الى سلعة النفط الناضبة. والأهوار التي تغطي مساحات شاسعة، كان يمكن لها مع الزراعة والسياحة، أن تكون بديلاً حقيقياً عن النفط. هور الدملج، أو هور عفك، واحد من الأمثلة على الثروة
يزخر العراق بمصادر الثروة المستدامة التي احيلت الى الإهمال والنسيان بالركون الى سلعة النفط الناضبة. والأهوار التي تغطي مساحات شاسعة، كان يمكن لها مع الزراعة والسياحة، أن تكون بديلاً حقيقياً عن النفط. هور الدملج، أو هور عفك، واحد من الأمثلة على الثروة الكبيرة الكامنة في الأهوار والمتروكة للإهمال والنسيان.
تبلغ مساحة هذا الهور 120 ألف دونم تمتد في محافظتي واسط والديوانية، وتعيش فيها 2500 عائلة يمكن لها لو استثمرت بالشكل الصحيح في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والسياحة، أن توفر خمسة آلاف فرصة عمل، يمكنها أن تساعد في تخفيف نسبة الفقر في هاتين المحافظتين. وهذا المسطح المائي الكبير القريب أيضاً من مدينة "نيبور نفر"الأثرية، يعيش فيه كذلك أكثر من 1200 نوع من الطيور، فضلاً عن أنواع مختلفة من الأسماك. ويمكن لهذا الهور، أن يوفّر موارد مالية كبيرة، يصعب تقديرها في ضوء الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تزخر بها المنطقة.
يكشف رئيس مجلس محافظة واسط مازن الزاملي، في حديثه لـ(المدى)، عن أن "الدوائر المعنية في المحافظة، أعدت دراسة تقترح فيها تحويل هور الدلمج الى محمية طبيعية، مع كونه يمكن أن يصبح منتجعاً سياحياً متكامل الخدمات، بعد تحقيق الاستفادة الكبرى من التنوع البيئي والجغرافي الذي يتميز به الهور، لذلك هو مشروع استثماري ضخم، ومعلم سياحي مهم، ومحمية طبيعية، يمكنه أن ينعش اقتصاد محافظتي الديوانية وواسط".
يعد هذا الهور من المصنفات العالمية المهمة وفق مبدأ المنظمة العالمية للحفاظ على البيئة التابعة للأمم المتحدة، وذلك لما يتميز به من تنوع بيئي وجغرافي كبير أسهم في جذب أنواع كثيرة من الطيور والحيوانات البرية المختلفة والنادرة، حتى أن معظم تلك الطيور، تأتي من بلدان وقارات بعيدة خلال مواسم هجرتها، وفق حديث الزاملي الذي يتخوف من امكانية انقراض هذه الطيور والحيوانات، كونها تتعرض حالياً، الى تهديدات قد تؤدي الى انقراضها من خلال أساليب الصيد الجائر التي يتبعها البعض، في ظل غياب الرقابة الحكومية وعدم وجود الحماية لها، الأمر الذي يتطلب إجراءات عقابية رادعة بحق المخالفين لقواعد الصيد سواء للطيور أو الأسماك وتطبيق القانون العراقي بحق هؤلاء، خاصة وأن هذا الهور، يحوي أنواعاً نادرة من الطيور والحيوانات، وهو عامل مشجّع لإنشاء محميات خاصة بها، وحمايتها من أيدي العابثين واستثمارها بشكل جيد خدمة للبلد، متمنياً على المعنيين، الاهتمام بشكل خاص بهذا الهور، وجعله معلماً سياحياً واقتصاديا مهماً في البلد، كونه يعاني الإهمال والتجاوزات الكثيرة من قبل البعض على خيراته.
وتم إنشاء هور الدلمج في ثلاثينيات القرن الماضي، كخزان للمياه الناتجة عن الفيضانات التي تحصل في الجانب الغربي لنهر دجلة، لكنه تحوّل الى مسطح مائي كبير وجزء من منظومة تشغيل المصب العام، ويستخدم كخزان مائي وقتي لتخفيف الضغط عن المصب العام في منطقة السايفون عند تقاطع المصب مع نهر الفرات جنوب الناصرية، لتذهب إلى شط البصرة من ثم الى خور عبد الله والخليج.
وفي عودة لرئيس مجلس محافظة واسط مازن الزاملي، الذي يقول إن، الدراسات التي أُعدّت لتأهيل الهور وعرضه الى الاستثمار، جاءت في ضوء أهميته وما يتميّز به من ثروات طبيعية، يمكن أن تساعد في تنفيذ تلك الدراسة، مشيراً الى الحاجة لإنشاء شبكات من الطرق، تصل بينه وبين المدن الأخرى في محافظتي واسط والديوانية، وقناة للتحكم في كميات المياه الداخلة والخارجة منه، واستثمار الأراضي المحيطة به، من خلال انشاء فنادق وملاعب ومسابح وكازينوهات، والحفاظ على تكاثر الأسماك والحيوانات المائية فيه، من خلال إقامة أحواض لتربية الأسماك وأقلمتها بشكل تدريجي مع طبيعة مياه الهور ودرجة الملوحة فيه، إضافة الى إمكانية إقامة قرية عصرية، تختص بتربية الجاموس الغني بإنتاج الحليب، مشيراً: الى أن إقامة هكذا منتجع، من شأنه أن يساعد في تشغيل المئات من الأيدي العاطلة عن العمل في المحافظتين، اضافة لتوفيره الكثير من الفرص الاستثمارية الأخرى للبلد، من خلال الوافدين للسياحة والاستجمام من العراقيين والأجانب.
الخبير الاقتصادي عبد الهادي العتابي، يرى أن هور الدلمج، من شأنه أن يحقّق مردوداً اقتصادياً كبيراً لمحافظتي واسط والديوانية بشكل خاص، والبلد بشكل عام، في حال تم استثماره على النحو الصحيح، مستدّلاً على ذلك، بأن الموارد المتوافرة فيه كثيرة، ومنها الثروة السمكية التي تشكل الثقل الأكبر له، حيث توجد أنواع كثيرة من الأسماك التي تتميّز بسرعة التكاثر والنمو بحكم طبيعة الهور والغذاء الطبيعي الموجود به، ويمكن أن يصل معدل الانتاج السنوي الى أكثر من ألفي طن، من مختلف أنواع الاسماك العراقية، ومن الطبيعي، فإن مثل هذه الكمية، تسد جزءاً كبيراً من حاجة البلد من الأسماك، مما ينعكس ايجاباً على اسعار الأسماك، التي يمكن أن تتناولها العوائل الفقيرة والغنية في آن واحد، كما أن العمل في صيد الأسماك، من شأنه أن يوفّر المئات من فرص العمل لأبناء المحافظتين.
وبحسب العتابي، فإن موضوع الأسماك، هو جانب من الجوانب الكثيرة التي يحويها هذا الهور، وثمّة جوانب أخرى، منها الثروة الحيوانية، وبخاصة الجاموس، الذي يتميز بإنتاج الحليب ومشتقاته، وما يرافق ذلك من ضرورة إنشاء مصانع لمنتجات الحليب، وهو عامل آخر يساعد في توفير تلك المنتجات للسوق المحلية ومنافسة المستورد، ناهيك عن توفير المئات من فرص العمل لأبناء المحافظتين أيضاً، بالتالي فإن موارد هور الدلمج يمكن أن يكون لها شأن كبير في إنعاش الاقتصاد في المنطقة، وجعلها ذات أهمية كبيرة ليس على مستوى واسط والديوانية، فحسب، إنما على مستوى البلد، مبيناً أن، التقديرات الأولية لفرص العمل التي يمكن أن تتحقق عند استثمار هور الدلمج، قد تزيد عن خمسة آلاف فرصة عمل مختلفة، إضافة الى المورد المالي الكبير والذي يصعب تقديره على وجه الدقّة، في ضوء الإمكانات الاقتصادية الهائلة الموجودة فيه.
وطبقاً لإحصائيات غير رسمية، فهناك أكثر من 2500 عائلة تعيش على الهور، خاصة في مجال ممارسة صيد الأسماك التي تتوافر بكميات كبيرة في الدلمج.