واقعياً ، ومن دون دوران مستهلك للجهد والتفكير حول نقطة بديهية ، فإن مصير أسود الرافدين لا يسرّ حتى الاستراليين أنفسهم غُرماء جولة باص ، فالقوة التي عرفوها عن الأسود قبل سنوات في عهود عدنان حمد وجورفان فييرا وسيدكا غير في زمن زيكو وحكيم شاكر وراضي شنيشل بسبب عاملي إنهاء خدمة جيل آسيا 2007 من دون تهيئة بدائل بالتدرّج ، وأرهاصات التوأمة التكتيكية بين جيل مونديال الشباب 2013 واللاعبين المحترفين في أميركا وأوروبا وما أفرزتها من ضغينة وتمرّد.
ما توفّر للأسود في عزّ ظروف الاضطراب الاجتماعي الذي واجهه العراق أعوام ( 2004-2007 ) أفضل بكثير من زمن الاستقرار للأعوام ( 2008-2014 ) برغم توفر الميزانية الضخمة، ولهذا حصل تباين كبير في الفكر الخططي للمدرب واللاعب دفعهما للقبول بخسارات موجعة في ضوء نقص الإعداد وانقلاب الاندية ضد مفهوم مصلحة المنتخب وبروز ظاهرة إعلامية متخصصة في مناوأة المدرب وتحريض الجماهير ضده لكسب الشهرة بدليل أن هكذا وسائل أعلام لا تقوى على التحليل ومحاججة المدرب فنياً لبيان اسباب الخسارة ، بل تتصيّد في مواقع التواصل الاجتماعي وتسعى لاستفزازه بمعلومات مغلوطة تدفعه لمقاطعتها كونها تطبّعت على غرض التحريض ضده لإفشال مهمته رداً على فشلها في انتهاج سياسة إعلامية عاقلة !
وبالعودة إلى مباراة باص ، ربما نختلف مع كثير من الزملاء والمحللين في مسألة الضغوطات التي تحيط بالمنتخب الوطني وتحمّله مسؤولية رد الاعتبار عن الهزائم الأربع التي تجرّعها أمام استراليا والسعودية واليابان والإمارات ، لأنهم كانوا يؤدون أدوارهم بهمّة عالية وسبق أن أحرجوا السعودية واليابان وكانوا قاب قوسين أو أدنى من الفوز ، إنما الضغوط الكبرى هي من صنيعة المدرب راضي شنيشل الذي شغل مرحلة الذهاب بتجاذبات إعلامية تحمّس فيها بشدة للدفاع عن استحقاقه كمدرب أكثر من عمله لإيجاد حلول ناجحة ومتوازنة تحفظ كرامة اللعبة من صفعات المنتخبات الأخرى ، فحصد ما زرعه بذرة بعد بذرة.
لذا فإن راضي شنيشل اليوم نال دعماً إعلامياً كبيراً في طروحات الإعلام وهو الدعم نفسه سابقاً إلا أنه لم يستشعر به لانهماكه في تفنيد هذا الرأي كونه مشبوهاً وتبرير تصريحه سيء التوقيت بشأن بناء المنتخب ، وعليه أن يتفرّغ لكيفية انتقاء التشكيل الأمثل لانتزاع أهم ثلاث نقاط تعيد الأسود إلى محطة الانتظار ثانية ترقباً لجولات أخرى يأملون فيها مواصلة حصد نقاط الفوز عساها تقرّبنا من نيل نصف بطاقة مؤجلة في ذمة الملحق.
ليس مهمّاً أن يجرّب شنيشل عناصر المنتخب المستقرّة منهم والمتحّركة في ضوء رؤيته لمدى صلاحية كل لاعب ، لكن عليه مراعاة ملاحظتين ، الأولى عدم اطمئنانا على واجبات خط الدفاع الذي تسبب بفقدان نقاط ثمينة نتيجة التهوّر في ضرب المهاجم كما حصل للسعودي نواف العابد واستغلّها مرتين محققاً فوزاً ثميناً لبلاده ، وغفلة المراقبة مع استراليا وبطء العودة لإغلاق المنطقة في حالة إبعاد الكرة مثلما استغل ياماغوتشي الكرة الهدية مسجلاً هدف الحسم لليابان بالدقيقة 94!
والملاحظة الثانية برغم أن شنيشل عمل مع المنتخب في أمم آسيا 2015 وكذلك في التصفيات الحالية منذ آب 2016 ، إلا أنه أخفق بشكل غريب في منح الثقة لمهاجم بارع يسد شاغر المهاجم الكبير يونس محمود في تأثير شخصيته وتعاونه واقتناصه الاهداف وهي مهام لا يمكن التكاسل بها لاسيما أن علاء عبدالزهرة ومهند عبدالرحيم وحمادي احمد أخذوا فرصاً مهمة في المنتخب وقدموا العطاء المطلوب ، لكنهم أبداً لم يحمل أي منهم صفة المهاجم ( السوبر ) الذي يفرض نفسه فضلاً عن تغليبهم الأنانية احياناً في اسلوب اللعب وينبغي تجاوزها لمصلحة المنتخب وحفاظاً على انصاف الفرص من الضياع.
لن نتوقع انقلاباً جوهرياً في خطط الأسود لمرحلة الإياب طالما أن المدرب كان بعيداً عنهم "عملياً" منذ تشرين الثاني الماضي حتى لقاء إيران الودي قبل أيام أي ما يقارب الأربعة اشهر وهي مدة طويلة يصعب هضم مبررات المدرب بعدم استغلالها باجراء حصة تدريبية واحدة في الاسبوع مثلاً بينما كانت الدنيا تقوم ولا تقعد لعدم تواجد البرازيلي زيكو في بغداد إلا ما ندر للغرض ذاته ، فلماذا هذه الأزدواجية في فرض الالتزام واحترام العقد على الأجنبي والتساهل مع الوطني؟!
حصاد شنيشل
[post-views]
نشر في: 22 مارس, 2017: 03:54 م