اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وجوه تنام على ضفة النهر

وجوه تنام على ضفة النهر

نشر في: 24 مارس, 2017: 09:01 م

ربما يكفي بعض الخيال كي يتمكن المرء من بناء عالم خاص به، يمثل رؤيته وتطلعاته ومايجول بخاطره من أفكار. لكن من الصعب أن يجعل الانسان عالمه هذا فريداً، جميلاً، مبتكراً ومشوقاً في ذات الوقت. فلأجل تحقيق ذلك يحتاج الشخص، الى موهبة من نوع خاص، إضافة الى إمكانية إدارة هذه الموهبة بشكل جيد. كذلك يتطلب بناء ذلك صبراً وممارسة واسترسال في العمل والقيام بمحاولات دون كلل أو توقف للوصول الى الهدف. لكن كيف يتسنى للإنسان أن يُؤَسِسُ مشروعاً جمالياً بكل هذه المواصفات؟ يبنيه قطعة أثر قطعة، يُشَيِّدُهُ بصبر ورويَّة ومحبة، وينظر اليه ويتابعه وهو يكبر أمامه يوماً بعد آخر، لتكون النتائج مذهلة وجميلة وتحمل الكثير من التشويق ايضاً.
هكذا بنى الياباني هوجي هياما، عالمه وهو يجمع الأحجار الصغيرة على مدى خمسين عاماً، لتكون النتيجة متحفاً جميلاً وفريداً اسمه متحف تشيتشيبو، في البلدة التي تحمل نفس الاسم في شمال غرب طوكيو. الغريب في الفكرة كلها، أن هوجي وطوال هذه السنوات الخمسين، كان يذهب كل يوم الى نهر أكاوا القريب من بيته، للبحث عن أحجار تشبه في هيأتها شخصيات معروفة وشهيرة، وهكذا بقي يمارس هوايته هذه حتى جمع ألفاً وسبعمئة قطعة من الحجارة، تشبه كلها وجوهاً لمشاهير الفن والسياسة والرياضة وغيرها. كان يذرع ضفة النهر كل يوم، يتأمل الحجارة ويتفحصها، يتنقل ساهماً هنا وهناك بين الماء واليابسة، ثم يقوم بالتقاط واحدة أو أكثر، وتكون في الغالب ملائمة لمزاجه في ذلك اليوم الغائم او المشرق أو البارد. كان فناناً بطبعه، وإلّا لما قام بذلك. وهكذا كان يضع اللقية في جيب سترته كما يضع شيئاً ثميناً، ثم يمضي بهدوء بمحاذاة صديقه النهر الذي يمنحه كل يوم وجهاً جديداً وغير متوقع، يضع قطعة الحجارة في جيبه لتتدفأ قليلاً، وكأنه يهيئها كي تصبح فيما بعد واحدة من (أفراد) المجموعة، هو الذي كان يرى أحياناً على سطوح بعض الأحجار أشياءً غامضة أو وجوهاً غير واضحة المعالم، فيضعها في المخزن ويعود اليها بعد فترة من الزمن لتقفز الى ذهنه الشخصيات التي تشبهها بشكل مفاجئ.
كل قطع الحجارة التي جمعها هوجي، تبدو عليها آثار الزمن، وقد حفرت المياه على حافاتها وسطوحها شقوقاً مختلفة وتصدعات تبدو واضحة، كذلك لعبت عوامل التعرية دورها، لتحولها الى شخصيات ضاحكة أو باكية او منفعلة، لتبدو في النهاية شبيهة بوجوه نعرفها، وكل هذه التعبيرات تَكَوَّنَتْ بفعل ما قامت به التعرية التي لعبت هنا دور الفنان.
ابتدأت حكاية هوجي، حين أهداه بعض معارفه أحجاراً صغيرة ذات يوم، وقد التصقت بها بعض الأصداف لتجعلها قريبة من وجوه البشر، ومن يومها انجذب بشدة لهذه الوجوه وتَعَلَّقَ بهذه الهواية الطريفة، وأخذ يجوب ضفة النهر كل يوم بحثاً عن وجوه جديدة وغير مألوفة. وبعد وفاته أخذت ابنته يوشينكو بممارسة هذه الهواية واعتنت كثيراً، بمجموعة والدها الثمينة، لتؤسس في النهاية متحفاً رائعاً يزوره الناس من كل مكان. وهي غالباً ما تكون موجودة في المتحف، تُحَدِّثُ الزائرين عن والدها وانتباهاته في اكتشاف الأحجار وانجذابه الى أشكال معينه يعرفها هو وحده وينتمي اليها كأنها جزء من أفراد عائلته. يسير الزائرون بين اروقة وقاعات هذا المتحف، ليتمتعوا بأحجار نحتتها الطبيعة وجعلتها قريبة الشبة من شخصيات لا تخطئها العين، مثل الفيس بريسلي  وجون كندي وبوريس يلتسين، وحتى الشخصيات الخيالية مثل أي تي وميكي ماوس وغيرها الكثير.
افتتح المتحف سنة ١٩٩٠ وأصبح خلال وقت قصير من المتاحف الشهيرة، حيث تتزاحم الناس على زيارته وخاصة طلبة المدارس الذين يتطلعون الى رؤية الكثير من الشخصيات المحبوبة التي يعرفونها. وفِي هذا الصدد تقول يوشينكو (لدينا الكثير من الشخصيات الشهيرة، وأغلبها موجودة في خزانات المتحف، وتنتظر دورها في العرض لأننا لا نستطيع عرضها كلها دفعة واحدة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram