TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خارج المباراة

خارج المباراة

نشر في: 24 مارس, 2017: 09:01 م

أم رحيم امرأة فقيرة تعمل في جمع النفايات من مناطق الطمر الصحي، وتبيع ماتحصل عليه من نفايات من الالمنيوم والبلاستك، بمبلغ لايتجاوز الثمانية آلاف دينار، هو كل ماتحصل عليه لقاء عمل يوم كامل لتعيل زوجة وأطفال أبنها، الذي استشهد في معارك الأنبار على يد داعش، فضلاً عن اعالة اثنين من عائلتها مصابين بالعمى.. ولأن راتب ابنها لايكفي عائلته لأكثر من عشرة أيام، ويتطلب منها الأمر الانفاق أيضاً، على تكاليف علاجها من الأمراض التي اصابتها من العمل في جمع النفايات وسداد ديونها المتراكمة، عليها أذن أن تواصل العمل طوال النهار ولاتنتظر حدوث شيء، يمكن أن يغيّر حياتها، فهي ليست امرأة حالمة ولاتملك الوقت لتخيّل مستقبل أفضل ..
قبل اشهر، ارتفعت نسبة الفقر في العراق لتبلغ 35% وهو أعلى معدل بلغه العراق منذ عقود طويلة، أي قبل أن يصبح نفطه ملك يمينه، لكن العراقيين- كما يبدو- كانوا كمن شمّ رائحة النفط دون أن يتذوق حلاوته، فمنذ عقود طويلة أيضاً، تتقاذفهم أيدي الحكومات كالكرة ..ترفعهم ، ثم (تكبسهم) وتلقيهم أحياناً، خارج ملعب الحياة ليصبحوا متفرجين فقط ولايشعروا بمتعة ممارسة لعبة الحياة ...
مؤخراً، ارتفع سعر النفط، الذي كان انخفاض سعره سبباً لفرض التقشّف على بلد عرف الانحدار الى ماتحت خط الفقر، منذ أن تحوّل نفطه الى سلعة تباع لتسديد ديون حروب خاسرة أو لإنعاش جيوب طامعة داخل البلد وخارجه.. ورغم هذا الارتفاع، مازالت أم رحيم تصارع المرض وهي تجمع النفايات لتعيل أسرتها، ويمتلئ الشارع بالمشردين والمتسولين والأطفال الذين غادروا الطفولة والدراسة ليعيلوا أسرهم، وعمال المساطر الذين ينتظرون طوال النهار من يقدم لهم فرصة لكسب قوت يومهم.. رغم ارتفاع اسعار النفط ، يتواصل اقتطاع مبالغ شهرية من رواتب الموظفين والمتقاعدين، وتتفاقم الحاجة الى الخدمات التعليمية والصحية وتتراجع مرافق الدولة، وتغيب المشاريع الانتاجية، ويواصل العراقيون العيش كمتفرجين، فيما يضاعف المسؤولون ثرواتهم ويمضون الوقت في التخطيط لكسب وقت أطول في عالم السلطة، حتى لو اقتضى منهم ذلك استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فهم يعيشون داخل اللعبة ولايكتفون بالتفرج، ولابدّ أن يحققوا المكاسب.. أنهم يهاجمون ويدافعون ويتصادمون ويصاب البعض منهم، فيجد من يساعده ويعالج اصابته لينهض من جديد ويواصل اللعب.. أما الكرة التي يتقاذفونها (نحن الشعب) فلاينالها منهم سوى الركلات والرفع والكبس، وإن حاولوا استخدامها لتسديد الأهداف، فسيستمتعون بالفوز وحدهم، ثم يتصافحون ويتبادلون التهاني، حتى لو كانوا يكرهون بعضهم البعض، فمصلحتهم واحدة والفوز اليوم لأحدهم، وسيكون في الغد لفريق آخر، ولن يعبأوا –بالتأكيد- إن كانت الكرة ملقاة في مستودع الملابس أو في الوحل فسيفتشون عنها حين سيحتاجونها فقط ..عندما تبدأ المباراة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram