كان ذلك حينما كنت أقرأ ( مائة عام من العزلة ) لغارسيا ماركيز، يقول أغنيس ناجي، عندما شعرت لأول مرة بالحاجة إلى رسم شجرة عائلة، أما آخر مرة احتجتُ فيها لمثل هذه المساعدة، كي أحتفظ في ذاكرتي بأسماء كل الأعمام وأبناء الأعمام، والمحبين، فكانت حين كنت أشا
كان ذلك حينما كنت أقرأ ( مائة عام من العزلة ) لغارسيا ماركيز، يقول أغنيس ناجي، عندما شعرت لأول مرة بالحاجة إلى رسم شجرة عائلة، أما آخر مرة احتجتُ فيها لمثل هذه المساعدة، كي أحتفظ في ذاكرتي بأسماء كل الأعمام وأبناء الأعمام، والمحبين، فكانت حين كنت أشاهد فيلم ( لعبة العروش Game of Thrones ). وبدلاً من بوندياس أو لانيسترز، فإن رواية كريستيان غريكسو Krisztián Grecsó الجديدة تدور حول عوائل عدة. وإدراج جميع الشخصيات في قائمة، ومنها المختفي تحت أقنعة، سيكون كثيراً جداً، وإن كان الكتاب المتيسر ليس كبيراً: فهو أقل من 300 صفحة.لقد بدأ غريكسو حياته الأدبية شاعراً، لكنه نال الشهرة ككاتب قصص قصيرة. ووجد مباشرةً الموضوع الذي حافظ على التوسع فيه منذئذٍ في مجلده النثري الأول (ماما القيل والقال Gossip Mom)، الذي يدين له بالنجاح. وما يزال هذا الموضوع فاعلاً، حتى مع كون جميع روايات غريكسو التي نُشرت منذ ذلك الحين تدور حول أشخاص من جنوب شرق هنغاريا، الإقليم المعروف بـ " أرض العواصف ". وبعض المؤلفين يظلون يكتبون الرواية نفسها مرةً بعد أخرى. وكما كان كيرواك يشعر بالراحة فقط على الطريق، فإن غريكسو كما يبدو يشعر بالارتياح فقط بين بودابست و مدينته الأصلية سيغفر.
إن إعادة كتابة التجربة نفسها وإعادة تبيان المشكلة ذاتها يمكن أن يكون لعبة مثيرة. وبالإضافة إلى أولئك الذين يرسمون أشجار العائلة وهم يقرأون، فإن ( التنكر Masquerade ) يمكن أيضاً أن تكون ممتعة لأولئك الذين يسعون للاتصال مجدداً بالكتب السابقة للمؤلف. وكما هي الحال في ( ماما القيل والقال )، هناك جانب أكثر عتمة لهذا الكتاب: فالناس الذين أُبعدوا والذين عادوا بعد الحرب يظهرون هنا، إضافةً لليأس، والتعاسة، وضيق التفكير في القرى والأطراف. لقد كان موضوع الحب وخيوط النسب أكثر تلاؤماً في هذا الكتاب، ( التنكر)، مما في كتاب المؤلف السابق. كما أن الأصوات الأنثوية أكثر أهميةً وحساسيةً. ونجد هنا مصائر ما يقرب من نصف دزينة من الأشخاص الذين ينطلقون من المكان نفسه ويلتقون لاحقاً في نقاط التقاء معينة. وهؤلاء الذين يأتون من المستقر نفسه ولا يعرفون مع هذا أحدهم الأخر يزيحون أقنعة بعضهم بعضاً في حانة، أو مطعم، أو قطار. والبعض يحاول أن يُخفي ماضيه، وآخرون يودون إظهاره. إن ثقافة أوروبا الوسطى هي ثقافة النسيان، والتكتم، والكبت. والتاريخ يمنح الحياة لمصائر كمصير جانوس كلين، الذي يصبح، عندما يأتي للبيت من الخدمة في العمل، المنشد الكاثوليكي في قريته. أما الخيوط الأخرى في القصة مثل اليتم، وعدم الوفاء، والاغتيال، فهي مستقلة عن التاريخ الإقليمي. والعنوان الفرعي ( موزائيك رواية أسرة ) يدل على أن بالمستطاع اعتبار الرواية مجموعة من مقالات متصلة يمكن قراءتها أيضاً بصورة فردية. ومن الصعب، في الأول، رؤية الصلات التي تربط بينها، ثم تبدأ الخيوط المتشعبة، في منتصف الكتاب تقريباً، بتكوين كلٍّ مفهوم، ويُصبح واضحاً أن كل شيء متصل بكل شيء هنا.ويتّسم السرد بتعدد الأصوات، فيقوم بدور الراوي العارف بكل شيء رواةٌ ذكور وأناث بضمير الشخص الأول المفرد. ويترك المؤلف الفصول مفتوحة النهايات؛ ويستخدم حواراً داخلياً monologue يتألف من جملة واحدة. وهذا كله جزء من اللعبة تماماً مثل " اللقطات السينمائية المأخوذة عن قرب " و " اللقطات الطويلة ". وتظهر الشخصيات الرئيسة لفصول معينة كأدوار ثانوية في فصول أخرى. فنجد جداتٍ وأجداداً، وجيراناً، وزملاء يظهرون كشخصياتٍ قليلة الأهمية في الظاهر في حيوات غيرهم، لنعرف قصصهم بعد صفحات قليلة فقط.كما تعالج الرواية نزاعات الأجيال، وحب التجوال، والبحث عن هوية. إذ تبدو بعض شخصيات غريكسو قد ولدت في المكان الخطأ. ويجدون صعوبةً في تكييف مهنهم وفقاً لخلفياتهم، مع آبائهم وأمهاتهم وأخوتهم، في حين تنتقل شخصية أنثى كانت قد هُجرت وهي طفلة، إلى الريف من المدينة من أجل أن تجد جذورها.
ومع أن نقطة البداية في قصة ( التنكر ) جريمة اغتيال حدثت قبل عقود، اغتيال فتاتين واختطاف ثالثة، فإن القصة تدور في معظمها حول الحاضر. وهي ليست مختصراً لتراجيديا أو لفكاهة، تؤدي دور لحن مصاحب. فهي تتحدث عن نساء عشن معظم حيواتهن أرامل، واختُزلت حيواتهن إلى مجرد شهود قبور و حضور تظاهرات الانتاج، وحول رجال تعمل الجماعة كسند لهم، وحول ما لا يُعد ولا يُحصى من الأكاذيب، والأسرار، والعلاقات السرية، والإهانات والصدمات القديمة. وأخيراً، فإن غريكسو يحب سرد القصص، وهو يعرف بالتأكيد كيف يفعل ذلك. ويبدو الأمر وكأنه قد اختار عشوائياً صوراً من ألبوم مدرسة أو عائلة، لينطلق شارحاً كيف كان اثنان من تلك الوجوه متماثلين. ونجد فروع وجذور الأشجار العائلية متصلة معاً بشكل لاخلاص منه في الوقت الذي ننتهي فيه من الرواية، ونبقى نحاول فكها حتى بعد إغلاق الكتاب.
عن: hlo.hu