يرتبط ملف الطاقة العراقي بحسب البعض، باستقرار البلد، وكون القطاع هو مصدر الثروة الوحيد تقريباً، فالموازنات العامة تعتمد اعتماداً كلياً على مردوداته المالية، ما يستدعي تكثيف الجهود للارتقاء به، ومعالجة ما يعتري صناعته من مشاكل. وإذ يحتاج هذا القطاع، ا
يرتبط ملف الطاقة العراقي بحسب البعض، باستقرار البلد، وكون القطاع هو مصدر الثروة الوحيد تقريباً، فالموازنات العامة تعتمد اعتماداً كلياً على مردوداته المالية، ما يستدعي تكثيف الجهود للارتقاء به، ومعالجة ما يعتري صناعته من مشاكل. وإذ يحتاج هذا القطاع، الى إدارة فعّالة وحكومة قوية، فما يلزمه أيضاً، في الظرف الراهن، السعي الجدي لتشريع قانون النفط والغاز الذي ركنته التجاذبات السياسية على رفوف البرلمان لسنين، وانشاء خزانات كافية للحفاظ على الخام في ظل تخمة المعروض منه في السوق الدولية، إضافة إلى ضرورة تفعيل خط جيهان التركي، حال تحرير الموصل من داعش، وإعادة النظر في عقود جولات التراخيص التي اظهر انخفاض أسعار النفط هشاشتها.
هذه الملفات وأخرى مهمة، تفتحها "المدى" مع عضو لجنة الطاقة البرلمانية ووزير النفط في الحكومة الانتقالية (2005) ابراهيم بحر العلوم في هذا الحوار.
* كيف ترى اتفاق الدول المنتجة للنفط (اوبك) على تخفيض الانتاج، هل هو مناسب في الوقت الحالي؟
- اتفاق دول الأوبك على تخفيض الإنتاج، كانت له تأثيراته على أسعار النفط في السوق، من خلال الزيادة الملحوظة في الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والاتفاق كان له وزنه في متغيرات السوق، بالرغم من أن انتاج الدول المنضوية، لا يشكل إلا قرابة الثلث من الإنتاج العالمي. والاتفاق وإن جاء متأخراً فهو بصالح الجميع، والعبرة تكمن في استمراره والتزام الدول المنتجة بحصصها. ومن الملاحظ في هذا السياق، أن العراق اصبح نقطة التوازن في المنظمة ولاعباً مؤثراً، سيزداد تأثيره بفعل إنتاجه وتصديره وزيادة احتياطاته وعلاقاته السياسية مع الدول.
* هل الالتزام بالسقف المحدد من أوبك يعني توقف الاستثمار في الحقول النفطية الجديدة، خصوصاً اذا ما طال أمد الاتفاق لأكثـر من سنة؟
- لا، لا يعني توقف الاستثمار، فقرار اوبك هذه المرة يختلف عن قراراتها السابقة، كونه لم يركّز على تخفيض سقوف الإنتاج، بل كان التخفيض يعتمد كميات التصدير فقط، والتخفيض الذي شمل العراق وباقي الدول، يتعلق بتخفيض معدلات التصدير، أما الإنتاج فيبقى حراً، وهذا مفيد للعراق حيث أن استهلاكه الداخلي يستوعب الاستمرار في الاستثمار في الحقول الجديدة. ولابد على وزارة النفط التفكير الجاد بتطوير حقل شرق بغداد العملاق على مراحل والحقول الصغيرة في باقي المحافظات، وخاصة حقول الفرات الأوسط، وعلى العراق أن يبقى ضاغطاً لمراجعة التزام أعضاء أوبك بالحصص المقررة، وتعديلها إن دعت الضرورة، والدفع باتجاه تعزيز الاستثمار الوطني.
اللغط حول العدادات.. وعقود التراخيص
* كثـر اللغط حول موضوع العدادات، هل يمكن تهريب 100 الف برميل يومياً، مع انها تخضع لرقابة عالية ومراقبة دورية للعدادات.؟
- هذه قضية مهمة جداً، حيث بقي هذا اللغط يلاحق الوزارة منذ سنين، رغم كل الإجراءات التي سعت إليها لتطوير اجهزة القياس والمعايرة في موانئ التصدير، وتحت اشراف اللجان المختصة وإشراك اطراف فاحصة من شركات دولية مختصة، وقد وجّهت وزارة النفط في الأسبوع الماضي، دعوة مفتوحة الى أعضاء لجنة النفط والطاقة النيابية، لزيارة موانئ التصدير في البصرة، والاطلاع الميداني والمباشر، على إجراءات الوزارة في هذا الشأن، وهذه خطوة إيجابية لشرح حقائق الأمور والدفاع عن سمعة العراق وقطاعه النفطي والرد على التقارير والشكاوى التي طرحت في وسائل الإعلام، ووردت اللجنة بعضاً منها، والخطوة الأهم، اننا بصدد التفكير بتقديم مقترح تشريعي حول قانون قياسات نقل الملكية للنفط الخام والغاز والمنتجات النفطية، آملين بأن يكون هذا التشريع المقترح، قادراً على سد الثغرات والحفاظ على الثروة النفطية والغازية والمنتجات النفطية من أيّ تلاعب.
* هل هناك نيّة في المستقبل لتغيير صيغة العقود المبرمة في جولات التراخيص الى صيغة الاستثمار المباشر؟
- لاشك أن الصيغة التي أبرمت بها العقود ليست مثالية، فقد وقع العراق في خطأ ستراتيجي حينما أقدم على توقيع عقود خدمة لتأهيل وتطوير عقود نفطية وغازية بالجملة خلال فترة قصيرة جداً، فقد عرض العراق قرابة نصف احتياطياته النفطية في فترة زمنية لا تزيد على ستة أشهر. لقد كنا من المعارضين لهذا الأسلوب، ودعونا في حديث مباشر مع رئيس الوزراء السابق بعد جولة التراخيص الأولى في 30 حزيران 2009، الى التأني في جولات التراخيص والاكتفاء بحقل الرميلة العملاق، بعد أن تمت احالته على شركة (بي بي) البريطانية، للتعرف أولاً، على ثغرات هذه العقود خلال فترة زمنية محددة، وإصلاح بنودها قبل المضي الى طرح الحقول الأخرى، لكن الإرادة السياسية كانت متجهة الى خلاف ما طرحناه، وقد اكتشفوا عيوب مثل هذه العقود (المعيارية) عند انخفاض أسعار النفط، وبانت أن المستحقات التي على الحكومة دفعها للشركات غير مرتبطة بالأسعار، واكتشفوا أن معدلات الإنتاج القصوى للحقول والتي كانت إحدى نقاط التنافس، لم تكن واقعية، فاضطروا الى إعادة التفاوض ثانية في عامي 2013-2014 وتغيرت الكثير من بنود العقود، ولكن التغير لم يكن أيضاً في صالح العراق.
* تشير تقارير الى أن شركات التراخيص النفطية، تسببت في تفاقم مشكلة التلوث البيئي في البصرة ، ماهي توصياتكم بهذا الشأن، وهل لديكم اطلاع بذلك؟
- من الطبيعي أن تتفاقم مشكلة التلوث البيئي لسبب بسيط، فكلما زاد الإنتاج النفطي يزداد التلوث البيئي بسبب تزايد انتاج الغاز المصاحب الذي يحرق اكثر من نصفه حالياً، على أمل استثماره بالكامل في الأعوام المقبلة، التلوث لا يقتصر على الجو بل على الأرض والإنسان، ومشاركة العراق في مؤتمر التغيير المناخي، سيفرض التزاماً عليه بتقليل الانبعاثات الغازية الدفيئة في العقدين المقبلين، وقبل سنوات كنت في زيارة لحقل الرميلة ومنشآتها، وكانت هناك كارثة ليست اقتصادية، بل كارثة بيئية ملوثة للأراضي، بسبب بحيرات كبيرة من المياه الملوثة والمنتجة من الآبار النفطية، لكن علمت مؤخراً، أن الشركة العاملة تمكنت من معالجة الأمر.
* طوال 13 عاماً وموازنة وزارة النفط، هي الأكبر بين الوزارات، لكن لغاية الآن، لم يتم انشاء خزانات نفطية كافية.. لماذا؟
- نعم لا يزال العراق يعاني نقصاً في الطاقة التخزينية، وهذه احدى القضايا المطلوبة في إعادة البنى التحتية، بعد دمار خزانات الفاو في الحرب العراقية - الإيرانية، بقي العراق يعاني من نقص حاد، وقد تحسنت الطاقة التخزينية قبل عامين، حيث أنجزت بعض الخزانات بعد تلكؤ، وكانت المشكلة التي تواجه المسؤولين عند توقف التحميل لأسباب جوية، كان الشركات تضطر الى إيقاف الإنتاج وتتحمل الوزارة تكاليف توقف الإنتاج باعتبارها خارج إطار العقد، لذلك فإن توفر البنى التحتية من مسؤوليات الوزارة، خاصة وأن العراق يحتاج الى طاقة تخزينية لا تقل عن 40 - 50 مليون برميل، داعياً الى التفكير بجدية في الاستثمار ببناء خزانات خارج العراق لخزن النفط العراقي كما هو متعارف عليه في باقي الدول المنتجة.
تشريع قانون النفط والغاز أصبح ضرورة
* ماهي أهم المعوقات التي تحول دون إقرار قانون النفط والغاز، وهل يمكن أن يبصر النور في هذه الدورة البرلمانية؟
- المعوقات السياسية حالت دون ذلك، وخسر العراق فرصة تأريخية بعدم تمرير القانون الذي أقره مجلس الوزراء في شباط 2007، فقد خضع لسجالات سياسية أضاعت توفير اطار قانوني وإداري للثروة النفطية، ولا أظن أن القانون بصيغته القديمة، اصبح ذا جدوى الآن، قد نحتاج الى تفكيك القانون الى مفاصل أساسية، والعمل عليها بدون التعويل على النسخة القديمة. الفكرة كالتالي، مشروع قانون النفط والغاز فيه مفاصل ثلاثة: الأول تنظيم العلاقة بين المركز والإقليم والمحافظات المنتجة، والثانية تنظيم الاستثمار الوطني في القطاع النفطي، والثالث تنظيم الاستثمار الأجنبي. ما يتعلق في المفصل الأول، هناك مقترح قانون يناقش في لجنة النفط حول المجلس الاتحادي لسياسات النفط والغاز، وحول المفصل الثاني أقرّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، مشروع قانون شركة النفط الوطنية وبانتظار وصوله، واذا ما نجحت اللجنة في تمرير القانونين، فهذا يعني خطوات جيدة يمكن أن تحقق في هذا المضمار.
* هل لديكم معلومات بشأن امكانية تشغيل خط كركوك - نينوى - جيهان تركيا حال تحرير الموصل، وماذا سيكون الموقف في كركوك، علماً أن ثمّة اتفاقاً بين المركز والإقليم على تصدير 150 ألف برميل يومياً، عبر خط الأنابيب الكردستاني الى جيهان وتقاسم العوائد مناصفةً؟
- وزارة النفط تمتلك الإمكانية لإعادة تأهيل أنبوب النفط الخام كركوك - نينوى - جيهان، رغم أن الأمر قد يتطلب فترة ليست بالقصيرة. بعد انتهاء الحرب، يفترض بكوادر الوزارة الفنية، إجراء المسح الميداني للتعرف على إمكانية تشغليه، وبالتالي يتوفر للعراق منفذ تصديري آخر للنفط الخام. إن سياسة تعدد المنافذ، تعد احدى الستراتيجيات المهمة للوزارة، اما ما يتعلق بالاتفاقيات التي جرت في ظروف الحرب التي عاشتها المنطقة فيمكن تكييفها.