ترجمة :عمار كاظم محمد لتلك الكلمة معنى شعري تفتقده تلك الأرض ويقول سكانها عنها باللغة العربية أنها تدعى «ما وراء الشمس»، يعني ذلك أن تلك المنطقة المهجورة على مصب القناة التي تربط بين دجلة والفرات نائية بأبعد ما يكون عن أي بلدة في العراق . نهاية العالم
بهذه الكلمات المقتضبة يدعوها النقيب عبد الله نعيم من الجيش العراقي حيث تنطلق شاحنته الصغيرة وهي تمر بالأعلام الملونة التي تشير إلى تدين هذا المكان، أكواخ الطين تلونت باللون الأسمر من الفاقة والأرض الخربة بسبب الأملاح الناتجة من انحسار المياه والتي غبرت الأرض مثل نديف الثلج «أنها ارض مسكونة «. الهليجية مكان بعيد في المنظور المكاني وفي بلاد تعرضت للغزو وتحطمت بسبب الحروب ولم تتم إعادة أعمارها حتى الآن لكنها تمتلك ميزة في كونها لم تشاهد أي أمريكي على أرضها والقليل فقط من الجنود العراقيين فأي من الـ 110 آلاف جندي أمريكي ومئات غيرهم من الدبلوماسيين لم يزرها أحد منهم فليس لديهم سبب لذلك .فالبصرة إلى الجنوب تبدو بعيدة وابعد منها بغداد ولا يوجد سوى الحدود العراقية الإيرانية التي على بعد 10 أميال إلى الشرق عنها هي فقط مصدر الاهتمام . ذلك ما يترك الهليجية بموقع غير عادي وهي تراقب ما يجري في البلاد من حولها مثل مشهد سينمائي . يقول عبيد جبار هليل شيخ القرية التي تتكون من 200 شخص «الحياة كما تراها هنا ، هكذا كنا وهكذا نعيش بين القصب وطين النهر «، ويبدو إن من النادر أن تجد مكانا في العراق لم يتأثر بالحرب حيث المجازر كانت مرة تنهض وأخرى تغفو وغالبا ما كان الناس يسمونها «بالأحداث «تجري بشكل غير معلن حيث تؤسس لقصص لم يسمع بها من قبل .الوصول إلى الهليجية يتم بزورق عبر المياه التي تنحسر وتغمر كالمد قبل إن تنضم إلى شط العرب وهو ما يخدع إحساس الناس العاديين الذين مازالو يحكمونها بطريقة فطرية بحيث تبقى هذه القرية بريئة بشكل أو بآخر.يقول هاشم شبيب حسن وهو أب لـ 18 طفلا «هذه أرضنا منذ البدء وهذا مكان أسلافنا». على طول ضفاف الأنهار التي لوحتها الشمس يقوم القرويون بحصد أشجار الطرفة وبخشبها البطيء الاشتعال وعطرها تصبح المفضلة لشواء السمك المعروف خصوصا بالمسكوف . يقف الصيادون في الماء الذي يصل عمقه إلى أفخاذهم لإلقاء شباكهم في مياه الأهوار التي مازلت تجدف فيها القوارب التقليدية التي تدعى بـ «الشختورة»وخارج البيوت تجفف أكوام فضلات الجاموس لكي يتم استعمالها كوقود لصنع الخبز ولطرد البعوض .يتم الترحيب بالضيوف بفرش الكثير من السجاد الفارسي على الأرض ثم يقدم حليب الجاموس الساخن وخبز طحين الرز الطازج.يقول كريم محيسن حسن ان الذي تغير فقط طوال هذه السنين هو دخول الهواتف الجوالة، كانت كلماته تأتي بغمغمة لوجود سنين فقط في فمه . هناك في الحقيقة إشارات واضحة أخرى حول التحديث .قال كريم محيسن انه كبير في السن لكنه كل ليلة يقوم بشحن هاتفه النقال على مولد القرية الذي يعمل لبضع ساعات وعلى مقدار ما موجود من الغازولين فيها.وحينما تتوقف المولدة يتوقف معها عمل الصحون اللاقطة وهناك أيضاً علب من المضادات الحيوية وعلب فضلات الكولا مرمية بجانب الأكواخ المبنية من القصب إضافة إلى وجود شاحنة تويوتا صغيرة بيضاء تعود لأحد القرويين.ويتساءل شبيب حسن قائلاً: الا نستحق مدرسة لأطفالنا الأميين؟ الساكنون في بغداد يتحصنون وراء الجدران العازلة ويبتسمون لفكرة أن العراق بلد الخيرات مع ذلك فان الإحساس هنا كما لو أنه شائعة وحكايات وصور عابرة في التلفزيون . يقول احمد خلف وهو احد القرويين «نحن فقط نسمع بوجود أخبار جيدة تتعلق بالأجزاء الأخرى من البلاد «ويؤم الأصدقاء الذين تجمعوا على السجاد الفارسي بالموافقة على قوله، مضيفاً «يقولون أن النجف جميلة»، أضاف احد الحاضرين قائلا وكذلك البصرة وميسان فكلها الآن لديها طرق معبدة لكن ماذا بشأننا؟ .أشار احد القرويين الى الطريق الترابي الذي أمامنا والذي يحاذي منذ عهد بعيد ساحة المعركة في الحرب العراقية الإيرانية قائلاً: «لو سقطت قطرة واحدة من المطر سيتحول ذلك الطريق إلى طين»، وبعيدا عن الحرب الأمريكية الأخيرة تظل الحرب العراقية الإيرانية التي انتهت عام 1988 جزءاً من الحياة هنا فقد قطعت إحدى الشظايا أصبع كريم حسن وهو أحد القرويين.الرياح والأمطار لم تمح بعد تلك التحصينات العسكرية القديمة، والألغام مازالت تقلق الناس على دوابهم بينما ظل الأمريكان من جهة أخرى مجرد أسطورة انحصرت في خيالهم حيث لم يشاهدوا اي جندي أمريكي هناك.هناك نفس المسافة أيضاً فيما يتعلق بالحكومة العراقية فوجودها ملموس فقط حينما تقوم بالهجوم المباغت على المهربين، وهناك نقطة تفتيش عسكرية وحيدة تتكون فقط من مجموعة من أكياس الرمل ورشاش ثقيل على بعد ميل من المنطقة، ولا يعرف الجميع شخص رئيس الوزراء العراقي لكنهم يعرفون اسمه فقط. عن/ النيويورك تايمز r
الهليجيــة:من القصب إلى النهر ..قرية من ماضي العراق
نشر في: 16 فبراير, 2010: 05:05 م