الكتاب: الكثير من الكتبتأليف: غابريل زيدترجمة: إيمان قاسم ذيبان من المعروف ان الكتابة والقراءة عالمين منسجمين، يكمل أحدهما الآخر، لكن ما الذي سيحدث إن كانت الكتب المكتوبة أكثر من المقروءة؟ وما هي تحديات دور النشر اليوم؟ "لقد ازدادت قراءة الكتب بشكلٍ منطقي وازدادت معها كتابة الكتب بطريقة مستمرة وسريعة.
ولو لم يكن الولع بالكتابة مسيطراً عليه لأصبح لدينا في المستقبل القريب أناس يكتبون أكثر من أولئك الذين يقرأون"... تلخص هذه العبارات الأولى من كتاب (الكثير من الكتب) مخاوف مؤلفه فقد تمكن غابريل زيد،الشاعر والناقد الأدبي والكاتب المكسيكي المعروف برفضه للمقابلات والتقاط الصور له، من تحليل حقيقة مكسيكية وعالمية عبر وجهة نظر اقتصادية وسياسية. ففي عام 1972، صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وهو بالأساس دراسة فكرية تضمنت آخر ما توصل إليه المؤلف، وعبرت في بعض الصفحات عن شخصيته المنذرة بوقوع الأشياء. وبينَّ زيد تفصيلياً ولع الناس (لاسيما الجامعيين منهم) بما هو مكتوب وأكد أن الإنسانية قد حطمت رقماً قياسياً اليوم: فقد بلغ الإصدار مؤخراً بمعدل كتاب واحد لكل ثلاثين ثانية. وإزاء هذه النسبة العالية، يجد القارئ نفسه غارقاً بآلاف الإصدارات وأخذ يعاني على الدوام من عدم قدرته على القراءة أو إكمالها. وتكمن المشكلة الأساسية في أن غالبية الناس يرغبون بالكتابة بينما لا يملك أحد الوقت الكافي للقراءة. ويظهر التناقض جلياً في المجتمعات الأكثر غناً وتطوراً لأن هذه المجتمعات تصدر العدد الأكبر من الكتب ولكن بمبيعات قليلة. يؤكد لنا هذا الأمر أن غالبية الكتب لم تؤلف من أجل العامة، بل فقط من أجل الأشخاص القادرين على الدفع لاقتناء أعمال معينة. وعرَّف المؤلف النشر على إنه مجالاً لا يتحقق فيه التنوع عن طريق التقدم والتطور، بل عن طريق التخصص. وفي الوقت الذي يعمل فيه التلفاز بفضل عدد مرتفع من المشاهدين الذين يقدم لهم المحتوى نفسه لكن بطريقة (غير متميزة ومخيبة للآمال)، يوجه الكاتب بدوره رسالة شخصية إلى طبقة معينة. وأوضح زيد أن ثمة ثلاثة أفكار عامة تتعلق بالكاتب. تتمخض الأولى عن أهمية الكتاب كونه أولى وسائل الاتصال وأكثرها نبلاً ولازال موجوداً حتى يومنا هذا. وتتطرق الثانية إلى تأثيره الواسع جداً في المستوى الثقافي. وتطرقت الأخيرة إلى كون غالبية الكتب مرتفعة الثمن بعض الشيء مما يحد من انتشارها. ولطالما كانت كلفة الكتب محسوسة من قبل القارئ بالإضافة إلى المؤلف والناشر. إذ يتوجب على قارئ الصحيفة أو الكتاب دفع ثمن أعلى من مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى المذياع. كما تكون القراءة مكلفة في المجتمع الحديث الذي يكون الوقت فيه ثميناً للغاية لدرجة الخوف من فقدانه في البحث أو في قراءة الكتب. ويبرهن شراء المترفين للكتب التي لا يقرءونها أبداً على إنها وسيلة لعرضها على الزائرين أو ذكر شيء منها في أثناء تبادل الحديث فيما بينهم. وتبقى القراءة،في رأي زيد، وسيلة مكملة لعقلية الإنسان متقاعداً كان أم سجيناً، غنياً أم فقيراً طالبا مجداً أم كسولاً. ويرى الكُّتاب أن تخصيص الكثير من الوقت لقراءة كتاب واحد يؤدي إلى ضياع الوقت لاسيما إذا كان المؤلف يمارس مهنة أخرى مع الكتابة ولا يملك وقتاً محدداً ليقرأ فيه. كما أن سعر الكتاب أرتفع بالنسبة إلى الناشرين وبائعي الكتب الذين توجب عليهم توقع نجاح الكتب التي يروجون لها أو الحد من حجم خسائرهم المادية خصوصاً إذا كانوا قد بذلوا الكثير من الجهد والوقت لعمل لم يلق الإقبال الكبير. ولأن المهم هو جني الأرباح الناجمة عن أعمال مربحة أكثر بكثير من تلك التي لا يكون ربحها مضموناً. وقد أوجدت دور النشر، بغية الحد من حجم الخسائر، نظاماً الكترونياً يتأثر بالطلب ويسمى (الطبع حسب الطلب) أو الـ (POD). يسمح هذا النظام بنسخ أو طبع نموذج واحد فقط لأي عمل كان ليتجنب الناشر خزن النماذج التي لا يكون بيعها مؤكداً. وذكر زيد أن الموقع الالكتروني (أمازون دوت كوم)، الذي يبيع الكتب الالكترونية، قد شهد الكثير من النجاح بعد ابتكاره وأضحى بائعو الكتب يبيعون بواسطة هذا الموقع أو عن طريق التسليم المباشر. ومن وجهة نظر الناشرين قارن زيد إنتاج الكتب بإنتاج الأفلام موضحاً أن صناعة الكتاب أتاحت، وخلافاً للسينما، نشر نصوص لم يقرأها سوى ثلاثمائة شخص. وقد شكلت هذه الأعمال الغالبية الكبرى للإصدارات المعاصرة مما أدى إلى الحفاظ على النمط نفسه في دور النشر المختلفة. وأوضح المؤلف إن مبدأ التركيز على عمل معين له محدداته خلافا لمبدأ التنوع.أتاحت هذه الصعوبات (الجامعة للكتاب ولعالم النشر) الفرصة في تفسير عدد لا يحصى من التكهنات التي ختم بها هذا الكتاب وكيف أن هذه التكهنات تلاشت بعض الشيء أو بالأحرى لم تعد تصمد إزاء سحر وجاذبية وسهولة التقنيات الالكترونية الجديدة. اذ سمحت التكنولوجيا بالبحث عن الكتاب وإيجاده بسهولة قد لا تتجاوز بضعة دقائق فقط. ويعزي البعض فشل الكتب الالكترونية في بلدان معينة بأنها عادة ما تكون غير عملية للقراءة مقارنة بالكتب التقليدية. وغالبا ما يطلب الأشخاص الذين يجدون عملا ما في الموقع الالكتروني شراء نسخته الورقية. وقد أدت زيادة عدد القراء، بفضل ارتفاع عدد ال
إلـــى مَ تــؤدي كثــــرة الكــــتب؟
نشر في: 16 فبراير, 2010: 05:07 م