الكتاب: حرب بلا جبهاتالمؤلف: بيرند غرينرترجمة:عبد الخالق علي (أي تحليل متقن للاندحار الأميركي في فيتنام هو تحذير لأولئك الذين يشنون الحرب على الإرهاب)كان فريدريك الكبير يتحدث للعالم عن كيفية تدريب الجيش للمعركة ; و كان كلاوسويتز يتحدث عن كيفية التفكير بالحرب بشكل عام ; و مولتك العجوز عن كيفية التنظيم للحرب ; و غودريان عن كيفية التغلب على العدو.
ما يدعو الى الحيرة هو كيف يخسر الألمان الحرب اذن , و كان هذا هو موضوع كتاب قليل الأهمية بعنوان (لماذا يخسر الألمان في الحرب - بقلم كينيث ماكسي , طبع لاول مرة عام 1996). أما هذا الكتاب الألماني الحديث جدا فهو ليس بالضرورة كتابا يوصى به , كما ان البروفيسور بيرند غرينر ليس عضواً في هيئة الأركان العسكرية. انه في الحقيقة أستاذ في جامعة هامبورغ , رغم ان دراسته للأبعاد المعنوية لحرب فيتنام كان لها الفضل على فرع التاريخ في كلية أركان غروبر الألمانية القديمة. و هو جدير بالقراءة من قبل أولئك المسؤولين عن متابعة شؤون الحرب.مبدئيا , يخاطب البروفيسور غرينر التخمينات و التقديرات الرئيسية للجنرال جياب (قائد الجيش الفيتنامي الشمالي) بأن الولايات المتحدة " لا تمتلك الوسائل النفسية و السياسية لتشارك في حرب طويلة خارج البلاد " , و يخاطب الستراتيجية و الإدارة الملتوية غير الصائبة و عدم الانضباط في الجيش الاميركي و فرق المارينز , و التي لم تساهم الاّ في تعجيل انهيار الأرادة. يبدأ غرينر بتحليل متقن " لديناميكية العمليات الحربية غير المتكافئة ". هذه العمليات مجسّدة في قصة داود و جالوت – صراع يخوضه متنافس يائس غير مناسب ظاهريا مع مكانة عسكرية ضخمة متمرسة - الطرف الضعيف (داود) ينزل تحت مستوى التقنية (التكنولوجيا) التي يقاتل بها الطرف القوي (جالوت) , و يتمكن من إسقاطه بسلاح بدائي قادر على اختراق النقطة الحصينة , كما ان الوقت الى جانب الطرف الضعيف , لأسباب تتعلق بالمال و الفرصة و الكلفة و عدم الرغبة في التعرض للإصابة و ما شابه. لذا فأن الطرف الذي يبدو ضعيفاً لا يهتم بأنهاء الحرب بسرعة , بل " على العكس " كما يقول غرينر " مادام انه لا يخسر , فهذا معناه انه فاز. من جانب آخر , اذا لم يخسر الطرف القوي ظاهرياً , فأنه يعتبر غير صالح للفوز.. الطرف القوي يرتكب خطأ استخدام العنف لفرض قرار ما , و بهذا يسترد الوقت الضائع. بمعنى آخر , هناك علاقة مباشرة بين عدم التكافؤ و بين العنف المنفلت. يقول غرينر ان هذه الديناميكية هي التي حكمت على الجيش الاميركي بـ" تسهيل الانكفاءات و الكبوات التي كان ينظر اليها على انها حتمية و شرعية , حتى ان قواعد الحرب قد فقدت فاعليتها ". أن غرينر يحقق في القتل المجاني للمدنيين في (ماي لاي) و (ماي كي) , و يتعقب خيط " المنطق " في القتل الذي يتم توجيهه من واشنطن الى المقرات في سايغون ثم الى الوحدات العسكرية في ساحة القتال , و يعود مرة اخرى الى النفور الشعبي الكبيرأو ربما حتى الى الدعم الشعبي الاكبر لمرتكبي الجرم. في الجنوب الاميركي تم تأليف اغنية شعبية تمجًد الملازم (وليم كالي) – القائد في ماي لاي – و جرى تسجيلها على نغمة (ترنيمة المعركة) بصوت المغني (توني نيلسون) و بيعت منها نصف مليون نسخة في الاسبوع الذي أعقب محكمة كالي العسكرية , و في فيتنام كان الجنود يبدون اشمئزازهم من خلال ترديد " أقتل شرقياً قذراً من أجل كالي " في أحد بيوت سايغون , و يرسمون صورة " المنتقم لكالي " على سبطانة أحد المدافع.جون كيري , المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2004 , أثناء القاءه خطابا في حشد في نيويورك عام 1971 , أوضح الارتباك المعنوي المفاجىء الذي أصاب فيما يبدو كل فئات المجتمع " في هذا المجتمع كلنا مذنبون لأننا سمحنا باستمرار الحرب. نريد فقط من هذا البلد ان يدرك بأنه لا يمكنه محاكمة كالي أو غيره على شيء شجّعه عليه الجنرالات و الرؤساء و نحن ايضا من خلال طريقة حياتنا , ان تحاكموه فعليكم في نفس الوقت ان تحاكموا كل اولئك الجنرالات و الرؤساء و الجنود الذين شاركوا في المسؤولية.. في الواقع يجب ان تحاكموا البلاد كلها ". يقول غرينر , كان شعار الأغلبية الصامتة في الولايات المتحدة في اواخر الستينات من القرن الماضي هو "إكسب الحرب أو اخرج ". لكن مهلاً , أليس من أوقف المجزرة في (ماي لاي) و قدّم كالي للعدالة هو مقاتل آخر؟ انه (هيو تومبسون) قائد طائرة الهليكوبتر الذي توفي في 2006 , و الذي تحاشاه المدنيون و العسكريون فيما بقي من عمره. لكن المحترفين الحقيقيين في الجيش – خاصة نورمان شوارزكوف و كولن باول - كانوا يرسمون استنتاجاتهم الخاصة. يستشهد غرينر بالرعب الذي أصاب شوارزكوف عندما وجد تهاونا كبيرا في الضبط العسكري في فوج مشاة مجاور لفوج كالي الذي استلم قيادته ت
عندما تفقد الحرب قواعدها
نشر في: 16 فبراير, 2010: 05:09 م