من بين جميع الأحداث التاريخية التي شهدها القرن العشرون يبقى شهر آذار 1917 علامة فارقة في تاريخه.فقد كان هو الشهر الذي رفع فيه الروس السلاح ضد حكومتهم، وقرر الأميركيون الاشتراك في القتال ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.و ليس من قبيل المبالغة
من بين جميع الأحداث التاريخية التي شهدها القرن العشرون يبقى شهر آذار 1917 علامة فارقة في تاريخه.
فقد كان هو الشهر الذي رفع فيه الروس السلاح ضد حكومتهم، وقرر الأميركيون الاشتراك في القتال ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.و ليس من قبيل المبالغة القول إن ذلك الشهر وضع العالم في المسار الذي سيتبعه لما تبقى من القرن العشرين، وهذا بالظبط ما برهن عليه بنجاح الكاتب ويل إنغلوند مؤلف كتاب (آذار 1917) الصادر حديثاً
فمجرد نظرة سريعة إلى شخصيات الكتاب الرئيسية " تبين لنا ان أحداثاً كبيرة تلوح في الأفق: وودرو ويلسون، الغضب والمثالية؛. لينين، الحزم والعزم؛ ثيودور روزفلت، التسليح والعسكرة؛ وهناك ايضا جانيت رانكين، ، أول امرأة تصبح عضوا في الكونغرس، وكانت المشرِّع الوحيد التي صوّتت ضد المشاركة الأمريكية في كلا الحربين العالميتين الاولى والثانية.
فالدولتان اللتان توقع أليكسيس دي توكوفيل(هو مؤرخ ومنظر سياسي فرنسي اهتم بالسياسة في بعدها التاريخي. أشهر آثاره: «في الديمقراطية الأمريكية» (1835 - 1840 م)، و«النظام القديم والثورة» (1856 )في عام 1835 انهما سيهيمنان على الشؤون العالمية كانتا على وشك حدوث تغييرات كبرى فيهما. كانت روسيا في حالة من اليأس؛ نقص في الغذاء ؛ وانتشار للاضطرابات السياسية. وكانت أميركا تشعر بالأمان خلف خندق المحيط، ولكن رئيسها كان مشغولا بحرب الغواصات الألمانية المتواصلة وأُرغم على التخلي عن العزلة التي لم تُبقِ أمريكا في مأمن من الخطر.
هذا الكتاب مليئ، بصوّر الحرب المروّعة التي لا تُنسى : يهرع سكان برلين المظلمة وهم يرتجفون نحو السكك الحديد لالتقاط قطع من الفحم. وتسخر فيلة حديقة الحيوانات لسحب الزلاجات وسط تساقط الثلج. يمتلئ شعر رأس المواطنين الروس بالقمل في مترو الأنفاق بعد وقوفهم متلاصقين بجانب عربات القطار المزدحمة بالجنود العائدين من الجبهة. واسعار البطاطا تشهد ارتفاعات مذهلة تصل الى عشرة أضعاف معدلها زمن السلم في بلاد القيصر ، رغيف خبز الجاودار يرتفع سعره الى ثمانية اضعاف. "لقد غيرت الحرب كل شيء"، كما يصف المشهد آنذاك الصحفي الامريكي هنري مينكين. ويضيف "انها اوروبا جديدة، اكبر حجماً وأكثر حزناً."
وفي الوقت نفسه، كان هناك قلق متزايد في واشنطن بشأن هجمات الغواصات ضد السفن في أعالي البحار والتقارير الموثوقة والمزعجة،التي تفيد أن الألمان حصلوا على موضع قدم في السواحل قبالة المكسيك في مقابل تحالفهم العسكري معها إذا دخلت أمريكا الحرب. والاطار الذي وضع فيه الرئيس ويلسون هذه المخاوف لا يتعلق بسياسات الحكم التقليدية ولا بالسلامة في البحار، بل وضعها في اطار قضية حقوق الإنسان - التي يصفها مؤلف الكتاب " بانها ستكون أحد المبادئ الاساسية في السياسة الخارجية الأمريكية للقرن القادم.''
في مارس/آذار من عام 1917 بدأت الثورة في روسيا، مما أجبر القيصر على التنازل عن العرش، وحينها ايضا بدأت الولايات المتحدة الاشتراك في الحرب العالمية. وجد المواطنون السود في اميركا فرصة لهم فقد حصل الروس على الحرية في خضم الحرب، وربما يمكن لهم ان يحصلوا عليها . (وهذا لم يحصل ، وسوف يتطلب الامر حرباً عالمية أخرى، وحركة نشيطة بين الصحف السوداء، وخاصة ما قامت به الصحيفة الأسطورية بيتسبرغ كوريه، من إلقاء الضوء على حماس حركة الحقوق المدنية). ورأت النساء في الامر أيضا، فرصة،للحصول على حق التصويت على الرغم من عدم وجود دعم قوي للحركة المساندة لهذا الحق.
أحداث هذا الشهر، والحرب التي أعقبتها ، غيّرت العالم، ومحت الإمبراطوريات العظيمة من الخريطة، ودفعت روسيا إلى ان تصبح دولة اشتراكية وتحولت الولايات المتحدة إلى قوة دولية يبهر ابناؤها العالم فجأة باشكال مختلفة من طرق الحياة والسياسة والثقافة.
يقول المؤلف في كتابه "ان الحرب العالمية الأولى خلقت فكرة أنه من الأفضل محاربة العدو في الخارج افضل من انتظاره يهجم عليك في عقر دارك"، وهو ما يبرر لوحده تأليف كتاب من 322 صفحة.
يصادف هذا العام 2017 الذكرى السنوية المئة لحدثين شكّلا جوهر هذا الكتاب . أولا، تنازل قيصر روسيا نيقولا الثاني عن العرش ،منهياً بذلك ثلاثة قرون من حكم آل رومانوف في روسيا . والحدث الثاني ، تخلي الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس وودرو ويلسون، عن موقف الحياد الرسمي تجاه الحرب في أوروبا، وبدلا من ذلك أعلنت الحرب على ألمانيا. ويربط هذا الكتاب بشكل مكثف وممتع بين هذين الحدثين؛ حيث يتوقف مستقبل نصف العالم على ما ستنتهي اليه احداث هذا الشهر.
ويصف الكاتب سنة 1917 باعتبارها سنة فاصلة. فقد حدثت فيه ما سُميت بثورة فبراير (حسب التقويم الروسي القديم الذي يتخلف عن التقويم العالمي الحالي بـ12 يوما) التي هزّت سانت بطرسبرغ في آذار من عام 1917 لم تقُد فقط الى الإطاحة بسلطة القيصر ولكنها بدأت عملية إعادة تشكيل جذرية للحكم في روسيا والتي كان من شأنها أن تحفز فيما بعد الزعيم لينين للتخطيط لثورة أكتوبر، التي اطاحت بالحكومة المؤقتة لصالح حكم البلاشفة ووضعت حجر الأساس لما اصبح يُعرف فيما بعد بالاتحاد السوفييتي.
وقد نجحت هاتان الثورتان الى حدٍ بعيد منها بسبب حقيقة أن إراقة الدماء في الحرب العالمية الأولى قد تركت أداة القمع الرئيسية للقيصر - الجيش الروسي - في حالة تمرد متعاظمة ، وهذا هو واحد من الاسباب التي جعلت المؤلف يركز كثيرا في كتابه على الحرب "، و لخصها بدقة في الكتاب واصفاً ما خلفته من" الملايين من اللاجئين، والملايين من الجرحى، والملايين من القتلى "، وقد طغى هذا الموضوع اكثر من اي موضوع آخر تناوله الكتاب. ويقول المؤلف "ان الحرب"، على حدِّ تعبيره، "وضعت الولايات المتحدة وروسيا على الطريق الذي سيسيران عليه في القرن المقبل".
في عام 2017 اصبحنا ندرك. ان ما خلقته الثورة الروسية النابعة من إيديولوجيا سياسية لم يصمد الى النهاية ، و أن الحرب العالمية الأولى اثبتت العواقب الوخيمة لسياسة التدخل الخارجي التي تمارسها الولايات المتحدة " فما اعقب ذلك هو الولادة الحقيقية لما أطلق عليه الرئيس أيزنهاور اسم المجمع العسكري الصناعي الذي سيستمر في القرن العشرين بمواصلة سياسة التدخل الخارجي وشن الحروب من أجل تحقيق الارباح وليس من اجل القيم والمبادئ والمُثل وبهذا المعنى يمكن اعتبار كتاب "مارس 1917" بمثابة تحذير ودق لناقوس الخطر.
عن: كريستيان ساينس مونيتور وبوسطن غلوب