عبد الكريم يحيى الزيبارييقول بورخس (لطالما تَخَيَّلْتُ الفردوس كنوعٍ من المكتبة، بينما يُفكِّرُ الآخرون بحديقة أو قصر) بورخس- سبعُ ليالٍ- ترجمة د. عابد إسماعيل- دار الينابيع- 2009- دمشق- ص144.قال ابن الجوزي في ترجمة الحافظ أبي العلاء الهمذاني(وتوفي ليلة الخميس عاشر جمادى الآخرة من هذه السنة- يقصد سنة 569 هـ- وقد جاوز الثمانين بأربعة أشهر وأيام..
وبلغني انه رئي في المنام في مدينة جميع جدرانها من الكتب وحوله كتب لا تحد وهو مشتغل بمطالعتها فقيل له ما هذه الكتب قال سألت الله أن يشغلني بما كنت اشتغل به في الدنيا فأعطاني)أبو الفرج بن الجوزي- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم- دار صادر- بيروت- ج10- ص248. يقرأون ولا نقرأ، يصنعون ونستورد، يفكِّرون ونقلِّد، قصرُّوا التنانير في السبعينات، فقصَّرنا أكثر منهم، وقلدناهم في موضة الملابس وقصَّات الشَّعر، احتفلوا مرةً في الأسبوع، في عطلة نهاية الأسبوع، ومرةً في السنة سفرة سياحية وإجازة صيفية، فاحتفلنا طوال العام: حفلات وطرب وكليبات، ننفق عليها ملايين الدولارات سنويَّاً، وهكذا تواردت وتتوارد الأحلام والمصائر بين الشرق والغرب.وفي فضل الكتاب يقول الجاحظ في الرسالة السابعة من رسائله والمعنونة إلى عبد الله أحمد بن أبي داود(والكتاب قد يفضل صاحبه، ويرجح على واضعه بأمور: منها أنَّه يوجد مع كل زمانٍ على تفاوت الإعصار، وبُعد ما بين الأمصار. وذلك أمرٌ يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع بالمسألة والجواب. وقد يذهب العالم وتبقى كتبه، ويَفْنى المعقِّب ويبقى أثره. ولولا ما رسمتْ لنا الأوائل في كتبها، وخلَّدت من عجيب حكمها، ودوّنتْ من أنواع سيرها؛ حتَّى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغْلق علينا، فجمعْنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركُه إلاَّ بهم لقد خسَّ حظُّنا في الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصُرت الهمّة، وضعفت النيَّة، فاعتقم الرّأي وماتت الخواطر، ونبا العقل).نحن كنا داخل التيه، ولا زلنا، حيث كلّ شيء ليس له معنى كما حَدَثَ لأليس في بلاد العجائب. وورثنا معنى العبث خطأ من الأعشى الكبير(لَعَمْرُكَ ما طُولُ هذا الزَّمَنْ/ على المَرْءِ إِلاَّ عَناءٌ مُعَنُّ) ونسبنا العبث إلى ألبير كامو وهو الذي تبرَّأ من العبث، بمعناه الذي اقتبسناه على الأقل، يقول ألبير كامو(ليس سُدى أنَّ الناس حتى الآن تلاعبوا بالألفاظ وتظاهروا بالاعتقاد بأنَّ المرء حين يرفض إعطاء معنى للحياة فإنَّ ذلك يؤدي حتماً إلى القول بأنَّها لا تستحق العيش. في الواقع ليس ثمة شيء مشترك يربط بين هذين القولين). جرمين بري- ألبير كامو- ترجمة جبرا إبراهيم جبرا- دار الثقافة- 1968- بيروت- ص217. رفض إعطاء معنى للحياة، أيْ أنَّها فانية لا تستحق أن نقتتل من أجلها، ودوام الحال فيها من المُحال، حتى طعام الجنَّة ملوه وقالوا(لا نصبرُ على طعامٍ واحد).. وتتوارد مصائر الشعوب في خواطر الشعراء: قال النابغة الذبياني يصف الحرب(تبدو كواكبه والشمس طالعةٌ/ لا النور نور ولا الإظلام إظلامُ) يريد شدة الهول والكرب، بقوله: " تبدو كواكبه والشمس طالعة "، كما تقول العامة: أريته النجوم وقت الضحى. قال الفرزدق: " أريك نجوم الليل والشمس حية " وقال طرفة بن العبد: " وتريك النجم يجري بالظهر" وإليه ذهب جرير في قوله(والشمس طالعة ليست بكاسفةٍ/ تبكي عليك نجوم الليل والقمرا) ابن عبد ربه- العقد الفريد- ج1: باب العمل في الحرب- ص27. ومن أسلوب النابغة(لا النور نورٌ) يقول أبو تمَّام الطائي( لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ / خفَّ الهوى وتولَّتِ الأوطارُ/ إذْ صدوفُ ولا كنودُ اسماهما/كالمعنيين ولا نوارُ نوارُ) وتعليقاً على صدر البيت الأول لأبي تمَّام ذَكَر محمود درويش في تقديم ديوانه "لا تعتذر عما فعلت" قول الشاعر فدريكو جارسيا لوركا (والآن لا أنا أنا/ ولا البيت بيتي)، وتحته كتبَ درويش (توارد خواطر، أو توارد مصائر؟). وربما قصد محمود درويش(عند توارد المصائر: تتوارد الخواطر). كما حدثَ بين أحلام بورخس وأحلام التنوخي وأحلام أبي العلاء الهمذاني، وغابت أحلام مستغانمي، عن عالم الرواية، لتقدِّم للنساء نصائح في نبذ عشق الرجال والاستسلام لهم والوقوع في مصائدهم، وفي كتابٍ كامل لم تقل أكثر مما قاله المثل الشعبي المصري(يامأمنه للرجال يا مأمنه للميه في الغربال). وكانت في انشغالها بتأليف كتابها، الذي سمعنا عنه إعلانات كثيرة، كأُمِّ العروس "فاضية ومشغولة".كان بورخس يقول: "إنَّ العرب لا يحترمون تراثهم كثيراً"، وحقيقةً لا أدري ماذا يقصد بعدم احترام التراث، خاصةً وأنَّه لم يرَ دعاة الحداثة المزيَّفة، كالحواة والمهرجين على أبواب سفارات الدول الغربية، وعلى أبواب الساسة، يستجدون رجال الشرطة والحرس، ينتظرون أذن الدخول، وأحدهم يقول للآخر: اذكرني عند الوالي، هؤلاء الذين يرون الحداثة التحلُّل من الأخلاق والمبادئ، ويقول الروائي الفرنسي والذي عمل في الهيئات الدبلوماسية ستاندال(أن الحروب الصليبية هي التي جعلت أوربا تختلط بشعوب الشرق الأوسط فانتبهوا إلى أهمية الأخلاق وعرفوا أنهم برابرة)، وكانوا يحلمون بحياةٍ أفضل، فَأخذوا الصدق وحب العلوم وَشُغِفُوا بالقراءة،وكان الشرق قد بدأ رحلته نحو الانح
تـتـوارد الأحـلام والـمـصـائـر: بـين بـورخـس وأبـي العـلاء الـهمذاني
نشر في: 16 فبراير, 2010: 05:20 م