adnan.h@almadapaper.net
في مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من المواقع الاخبارية العراقية نُشِرت في اليومين الاخيرين بضع صور عن صفّ مدرسي منعقد في الهواء الطلق، أثارت ضجّة كبيرة بين ناشطي الكون الافتراضي، طالت وزارة التربية والنظام التعليمي ، بل النظام السياسي لدولتنا برمته.
بالطبع ليس انعقاد الدرس في الهواء الطلق هو ما تسبّب في الضجة، إنما موضوع الدرس. الصورة المنشورة يظهر فيها معلم ابتدائي يقف أمام تلامذته من البنين والبنات، فيما تمدّدت على الارض، في ظلّ نخلة، دمية من البلاستك في هيئة إنسان، وفي الجوار ثمة دكّة وقِدران محشوّان بشيء غير واضح المعالم.
المعلومات المرافقة تقول إن المعلم الواقف في هذه الصور، يعطي تلامذته درساً في غسل الموتى وتكفينهم!!
على عهدنا، كنّا نخرج من المدرسة إلى الهواء الطلق أثناء ساعات الدوام فقط عندما كان معلم الرسم يريدنا أن نرسم ما نشاء من موضوعات مُستمدة من الطبيعة المحيطة بنا، فكنّا نرسم الاشجار والعصافير والحمام والسماء الصافية او المكسوّة بالغيوم والشمس في قلب هذه السماء أو على حافّتها، وكانت أجمل هذه الرسوم تُعرض في المعرض السنوي للمدرسة.
ليست هذه الواقعة تصرّفاً فردياً معزولاً، كما قد يتذرّع البعض، فهي تعبير عن انهيار النظام التعليمي في بلادنا وخراب نظام الأخلاق أيضاً في هذا العهد الذي تقود فيه الدولة الأحزاب التي جعلت من نفسها ناطقاً باسم الله وقيّماً على الدين وتعاليمه وأحكامه: أحزاب الإسلام السياسي، الشيعية والسنّية التي تُمسك بتلابيب كل شيء في الدولة.
ما كان لهذا المعلم أن يخرج على نظام التعليم ويأخذ تلامذته إلى الهواء الطلق على تخوم الطبيعة الريفية الجميلة ليعلّمهم كيف تُغسل أجداث الموتى وكيف تُكفّن، بدل أن يطلب إليهم رسم الطبيعة أو أداء تمارين رياضية أو إجراء تجربة علمية بسيطة تخصّ قانون الجاذبية مثلاً، لو لم يكن متيقّناً من أن هذا النظام، الذي هو جزء منه، قد تردّى إلى الهوّة السحيقة.
في حدود علمي، حتى في الحوزات الدينية لا يُعطى مثل هذا الدرس، فهذه مهنة متروكة منذ الأزل لمحترفيها الذين يتوارثونها إبناً عن أب وأباً عن جد ولا يمارسونها الا في "المغيسل" المعزول حتى عن الكبار.
هذا "منجز" آخر يضاف الى رصيد الإسلام السياسي وزعمائه وناشطيه الذين لا أتوقع أن تثيرهم وتستفزّ مشاعرهم وضمائرهم واقعة كهذه، ليراجعوا أنفسهم ويتأملوا ما جنوه وأحزابهم على الناس .. إنهم مشغولون عن تفاصيل الانهيار الكامل والخراب الشامل في حياتنا بصراعاتهم ومنافساتهم ومناكفاتهم وتسقيطاتهم وحروبهم السرّية والعلنية المتبادلة ... وبفسادهم قبل هذا كلّه وبعد هذا كلّه.
جميع التعليقات 4
محمد سعيد
السؤال الحق ان صحت الروابه في اعتماد تعليم الاطفال مراسيم التغسيل للموتى .. اين هي مؤسسات المرجعية في تقديم فتوي بهذا الشأن , ام انها في الفعل تحاشت الدخول في مضمار مثل هذه القضايا او انها حقا, كما غابت سابقا عن متابعه توطن امراض ال
أبو أثير
تصور سيدي الكريم ... الى أين أوصلونا أصحاب العمائم السوداء والبيضاء والشيوخ والملالي ومن لف لفهم ... فعوضا من أن يرسموا في الهواء الطلق الربيعي ويعبرون التلاميذ عما في نفوسهم التعبانة ... يخرج قمقم الظلام ليريهم ويعلمهم تغسيل الموتى ... وفي هذا السن من أع
عامر
إذا كان الخبر صحيحا لأنه صعب التصديق ولا أفهم هذا الذي يحدث في العراق أو ماذا حدث للعقل العراقي. كيف يفكر هذا المعلم هذا الذي من المفروض أن يغذي عقول أطفالنا بالمعرفة يحتاج طبيب نفساني يكشف على عقله لو فكر للحظة واحدة بمسؤولية تعليم هؤلاء الأطفال لينشؤا ن
د. جميل جمعة
أحي العزيز عدنان ! تحية واحترام مع الشكر لما تنورنا به في مقالاتك التي توضح للقارئ الكريم كل ما يجب توظيحه لشعبنا بأختصار سؤالي هو : هل أن المعلم كان يريد تعليم طلبته على القتل والسبي والاذلال من أجل ممارسته وبشكل رسمي ومسموح به في كل وقت وفي أي منكان !