دونما أسف أبداً، تقرضُ حبل موعدك مع التيه، وتتخلى عن شجرة انتظارك، لأكثر من ساعتين، ثم لا تني تنسلخ من حدود الموعد، نهائياً، لترجأهُ الى الغد، وربما بعده. هكذا، تحتال على قبضة الوقت وحقيبة السفر الصغيرة وسائق الأجرة، يدلك على المكان فلا تجده، وبائع الفاكهة، إطمأن إلى رائحة الصبر في قلبك، انت تترك خطوة خلفك، لتسير ثلاثاً الى الامام. كان شعرُها القمحي يصادفك في غرفات الفندق كلها، وكنت تتلمس رائحتها في اكرات الأبواب، وفي مشتبك المفاتيح. تعدو، متعجل القدم، تسحُّ ظلالك، كأنك ما ازددت على ستينك ثلاثاً. هي تلبس لكل موعد نظارة داكنة، وأنت تبحث في العين الصادقة عن جفن يؤويك لليلة وليليتن وثلاث. ياه، كم تتعجل يدُك الأزرارَ وهي تنأى وتتلاشى، كم جاهدتَ، تُخرجُ المسمار من حلقته الضيقة في رابط حذائها.
هل تيقنت أنَّك وحدك في مقعد الحافلة، هل أخرجت محفظتك لتدوّن وقت مغادرته الى محطتها الأخيرة، كان الشارع مريضاً، مغّبراً، شديدَ العتمة في الليل، وصاحبك في الغرفة يوقظك لأنك بلا حلم الليلة، لأنَّ كأس النبيذ تخمرَ وتفسخ، ونصحك زائروك بتركه، هو يراك في طية الستارة، التي لا تنفتح على الحديقة، وهو يسمع عنك بلابلها وهي تغادر الشرفة، أو وهي تحط ثانية، على كتيبة الباب الكبير، حيث يجلس الحارسُ يطعم بقبعته نجوماً عاثرة، وأنت مثلما تركتك الحافلة الآيبة من النهار، تركتك الحافلة القادمة من الليل، تتركك الحافلات لأنك بلا إمراة ومواعيد، وطرقات قلبك أطفات مصابيحها ونامت، ستظل تحسب الليل والنهار على عدد الحافلات التي تمرُّ بك، أو التي مررت بها، قميصك ببقعة الزيت الكبيرة، وسروالك برائحة غبار الطلع، لم توقضك الحمّى، ولن تنتظرك الساحرات، اللواتي أصابعهن من البرد ساعة ومن القلق والحيرة ساعتين.
وكما لو انها هبطت من أغنية عن الجبال، سمعت اصطفاق ظلفتي جسدها بالسرير، كان الموسلين نائماً، لعن الله من أيقظ فتنته، كانت رعشة الجسد عالقة بين السقف وسريرها، خذلتك طفولتك إن ما تعلقت بها، وكان الباب صامتا، حتى أفزعته أصابع من لبن وخبز، ظلت تفتش في الظلام عن مقابض مورقة، تعرق ساعة وتنطفئ أخرى، وهذه خزانة ثياب لم تفتحها امرأة من قبل، هذا تيه لا أتحرى نهايته، ليس في الليل من يدلني على يدي، انا صرخة السرير قبل رائحة الدفلى، أنا يأس القطن في قلب انطفائكِ عليه، وأنت بشعرك الطويل تتلمسين طريقاً باذخة أخرى، ومثل باقة زهر كونية إنهارت افوافك، في كلِّ زاويةٍ وجهُها اليّ سلةٌ، تحاصرني سلال زهر جسدك فأطير سعفاً ومباهج .
من بائع الفاكهة تبضعتُ كيس التفاح، ومن متجر عند دكانة صانع القوارير، أتيتك بالعطر ولبان الماء والإهليلج وصابون الغار، ومن باب الحمّام الموارب دفعت لك بمئزرك، ثم خرجت، كان الماء يقطر من كل جغرافيا الجسد الحبيب، وكانت المرايا كلها تبوح بحيائك وشعرك وعطرك، ولكي لا أبدو أقل حياء من البارحة، أخذت عنك مئزرك الرخص، التقط حبات الماء التي تناهبت كتفيك ووركيك وإليتك، لا، ما لامست غير ما وجدت البلل عليه، ما أنا باندفاعة أمس، ولست غير محتشم عند كعبيك وركبتيك ورأس سبعك، أكاد أقول أرتويت منك، ولا أكاد أقول، لكنني فقير بائس اليك والله، ليس لي غنى عن جبروتك وعظمتك، فأنت منتهى الانتظار، ومن أجلك أبدد الوقت وأركل المواعيد وأتوسل الباعة أترجّاً بلون الغروب، أقف امام المركبات، لا لن أقول لأحد بانني كنت عندك البارحة، فما أنا ممن يطلبون قضاء حوائجهم بالجهر، ما أنا بمتلف قلبي سكراً وتعتعات، أنا صنيع بهجتك التي أكملتها البارحة عناقاً وقبلات.
أبـدِّدُ الوقت أركلُ المواعيد
[post-views]
نشر في: 4 إبريل, 2017: 09:01 م