TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نكتة بحجم الكون

نكتة بحجم الكون

نشر في: 2 نوفمبر, 2012: 07:20 م

هل وصلنا إلى معرفة الجسيم الأساس في بناء المادة؟ لا لم نصل بعد.. فهل سنفعل؟ أشك بذلك، فجميع محاولات الفيزيائيين لإغلاق باب هذا التساؤل فتحت لنا المزيد من الأبواب، التي أدخلتنا على المزيد من الأبعاد والأعماق.
كنّا نعتقد بأن (الجزيء) هو الطابوقة الأساس في جدار المادة، ثم تبين أن الذرة هي الجزء الأساس في بناء تلك الطابوقة، ثم ضحكنا على أنفسنا لما تبين لنا أن الذرة عبارة عن عالم كبير تسبح داخله المكونات الأساسية، وهي النواة، بما تحتوي عليه من بروتونات ونيوترونات، والإلكترونات التي تدور حولها، ثم تبين لاحقا أن البروتونات والنيوترونات، هي الأخرى مُرَكَّبة، وأن كلا منها يحتوي على ثلاثة جسيمات تدعى (كواركات)، ولم تزل إلى الآن أبحاثنا مستمرة في كشف المزيد من أخطائنا وسبر المزيد من أعماق المادة، إلى درجة أوصلتنا إلى بحث الأعماق ما فوق المجهرية للمكان، أعماق يستخدمون في عملية قياسها ما يسمى بـ(طول بلانك)، هو طول مرعب في دقته، فعندما نسأل: ما مقدار طول بلانك؟ يجيبنا برايان غرين في كتابه (الكون الأنيق) بأنه: «من الصغر بحيث لا يمكن تخيله: فهو جزء من المليون من جزء من المليار من جزء من المليار من جزء من المليار من السنتيمتر» ثم يذكر مثالاً توضيحياً لتقريب هذه النكتة قائلاً: «إذا قمنا بتكبير ذرة واحدة إلى حجم مساوٍ لحجم الكون المعروف لنا، فإن طول بلانك لن يتجاوز ارتفاع شجرة واحدة»!.
حسنٌ، ألا يبدو على وعينا، وبسبب طول بلانك هذا، أنه أشبه بنكتة؟ تخيلوا معي أننا نقوم بتكبير الذرة ـ التي كان وعينا يعتقد بأنها أصغر الأشياء على الإطلاق ـ إلى حجم مساوٍ لحجم الكون، ثم نجد هناك جزءاً داخل هذه الذرة الهائلة يكون ارتفاعه بمقدار ارتفاع شجرة متوسطة، وهذا الجزء ليس أصغر الأشياء، بل هو أداة لقياس الأشياء الصغيرة في عالمنا الذي كنا، ولم نزل، نستخدم وعينا في معرفته!!
السؤال (الخبيث) الذي لا استطيع تجنبه بعد هذه الثرثرة هو: هل أن وعينا (التاريخي)، الذي أخطأ بفهم الطبيعة، مؤهل لفهم ما وراءها؟ خاصَّة إذا تذكرنا مؤشرين مهمين:
المؤشر الأول، أن مقدار خطأ هذا الوعي بفهم الطبيعة يساوي البعد الهائل الذي يفصل بين طول بلانك الذي اكتشفناه لاحقاً، وبين حجم الذرة الذي اعتقدنا بأنه أصغر الأشياء سابقاً.. والمؤشر الثاني، أن هذا الوعي، الذي لم يستطع أن يضع تصوراً نهائياً عن الطبيعة، مع أنه يراها ويسمعها ويشمها ويلمسها، يتجرأ بنفس الوقت ويضع تصوراً نهائياً لا يقبل بأي احتمال في خطئه يصف فيه، ويفسر من خلاله، عالم ما وراء الطبيعة، مع أنه عالم تتعطل عند حدوده جميع الحواس الجسدية، وتتكسر عند حافته مختلف أدوات الاختبار والقياس العلمية!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد الساكن

    لماذا اسميته سؤال خبيث؟ مع ان لك كامل الحرية في التساؤل هل تعتقد بعدم مشروعية السؤال الذي طرحته؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram