هل وصلنا إلى معرفة الجسيم الأساس في بناء المادة؟ لا لم نصل بعد.. فهل سنفعل؟ أشك بذلك، فجميع محاولات الفيزيائيين لإغلاق باب هذا التساؤل فتحت لنا المزيد من الأبواب، التي أدخلتنا على المزيد من الأبعاد والأعماق.
كنّا نعتقد بأن (الجزيء) هو الطابوقة الأساس في جدار المادة، ثم تبين أن الذرة هي الجزء الأساس في بناء تلك الطابوقة، ثم ضحكنا على أنفسنا لما تبين لنا أن الذرة عبارة عن عالم كبير تسبح داخله المكونات الأساسية، وهي النواة، بما تحتوي عليه من بروتونات ونيوترونات، والإلكترونات التي تدور حولها، ثم تبين لاحقا أن البروتونات والنيوترونات، هي الأخرى مُرَكَّبة، وأن كلا منها يحتوي على ثلاثة جسيمات تدعى (كواركات)، ولم تزل إلى الآن أبحاثنا مستمرة في كشف المزيد من أخطائنا وسبر المزيد من أعماق المادة، إلى درجة أوصلتنا إلى بحث الأعماق ما فوق المجهرية للمكان، أعماق يستخدمون في عملية قياسها ما يسمى بـ(طول بلانك)، هو طول مرعب في دقته، فعندما نسأل: ما مقدار طول بلانك؟ يجيبنا برايان غرين في كتابه (الكون الأنيق) بأنه: «من الصغر بحيث لا يمكن تخيله: فهو جزء من المليون من جزء من المليار من جزء من المليار من جزء من المليار من السنتيمتر» ثم يذكر مثالاً توضيحياً لتقريب هذه النكتة قائلاً: «إذا قمنا بتكبير ذرة واحدة إلى حجم مساوٍ لحجم الكون المعروف لنا، فإن طول بلانك لن يتجاوز ارتفاع شجرة واحدة»!.
حسنٌ، ألا يبدو على وعينا، وبسبب طول بلانك هذا، أنه أشبه بنكتة؟ تخيلوا معي أننا نقوم بتكبير الذرة ـ التي كان وعينا يعتقد بأنها أصغر الأشياء على الإطلاق ـ إلى حجم مساوٍ لحجم الكون، ثم نجد هناك جزءاً داخل هذه الذرة الهائلة يكون ارتفاعه بمقدار ارتفاع شجرة متوسطة، وهذا الجزء ليس أصغر الأشياء، بل هو أداة لقياس الأشياء الصغيرة في عالمنا الذي كنا، ولم نزل، نستخدم وعينا في معرفته!!
السؤال (الخبيث) الذي لا استطيع تجنبه بعد هذه الثرثرة هو: هل أن وعينا (التاريخي)، الذي أخطأ بفهم الطبيعة، مؤهل لفهم ما وراءها؟ خاصَّة إذا تذكرنا مؤشرين مهمين:
المؤشر الأول، أن مقدار خطأ هذا الوعي بفهم الطبيعة يساوي البعد الهائل الذي يفصل بين طول بلانك الذي اكتشفناه لاحقاً، وبين حجم الذرة الذي اعتقدنا بأنه أصغر الأشياء سابقاً.. والمؤشر الثاني، أن هذا الوعي، الذي لم يستطع أن يضع تصوراً نهائياً عن الطبيعة، مع أنه يراها ويسمعها ويشمها ويلمسها، يتجرأ بنفس الوقت ويضع تصوراً نهائياً لا يقبل بأي احتمال في خطئه يصف فيه، ويفسر من خلاله، عالم ما وراء الطبيعة، مع أنه عالم تتعطل عند حدوده جميع الحواس الجسدية، وتتكسر عند حافته مختلف أدوات الاختبار والقياس العلمية!!
نكتة بحجم الكون
نشر في: 2 نوفمبر, 2012: 07:20 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
ائتلاف السوداني ينسف روايات حسم اسم رئيس الحكومة: ما زلنا في «انسداد» و«مراوحة»
الأسواق العراقية تحت سيطرة الواردات الاستيراد الكبير يخنق الصناعة المحلية ويهدد الأمن الغذائي!
تناقص أعداد الصابئة المندائيين في العراق.. مخاوف الاندثار وصراع الحفاظ على الهوية
مساعي حصر السلاح في العراق.. جدل القبول والرفض
مسؤولون في نينوى يشخصون تحديات المرأة.. ودعوات لمعالجة البطالة والزواج المبكر والابتزاز
الأكثر قراءة
الرأي

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!
د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...










جميع التعليقات 1
محمد الساكن
لماذا اسميته سؤال خبيث؟ مع ان لك كامل الحرية في التساؤل هل تعتقد بعدم مشروعية السؤال الذي طرحته؟