سليمة مراد او سليمة باشا كما يطلق عليها جمهور بغداد، توضح في التحقيق ما غمض من علاقتها مع المطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي، عارضة في الوقت نفسه لكذريات منسية من حياة الفن في عاصمة الرشيد.. وتمتد اليد التي رسمت تجاعيدها الخمسون عاما لتوقف الصوت الغارق في حزن عميق والمنطلق من آلة التسجيل... وتروي صاحبته بنفسها قصتها مع القدر والتي اخفتها بين ضلوعها منذ اكثر من ثلاثين عاما:
واللوعات كثيرة في حياتي رافقتني منذ صباي حتى يومي هذا.. حصلت على لقب (باشا) واغدقت عليّ الاموال بلا حساب ونثرت الجواهر وتبعثر الذهب تحت اقدامي واصبحت مطربة تحتل القمة.. وذاعت شهرتي بين العواصم العربية والاوربية.. وفي بغداد وقفت ام كلثوم تخاطب الالاف من مستمعيها وهي تتمنى ان تملك حنجرة صافية قوية كالتل يتملكها مطربة العراق سليمة مراد.. ورغم هذا كله بقي قلبي ممزقا لايعرف غير الوحدة، تنزف حروحه دما.. واللوعة تترعرع بين ضلوعي.. وعندما بدأت جروحي تلتئم وتعرف نفسي المتعة الصادقة فقدت الانسان الذي وفر لي كل ما تمنيت بعد ستين عاما من الحرمان؟!..وتبكي سليمة مراد بصوت مسموع.. اجهشت في بكاء مر نصف ساعة تحاول عبثا المبللتين بالدموع الى صورة ناظم الغزالي المتصدرة صالون بيتها وبصوت تكسره العبرات عادت تقول:كان بالنسبة لي وسادة مريحة اسند اليها رأسي بثقة.. لم نكن متزوجين.. ولم يكن الجنس له وجود بيننا.. عشنا معا سبع سنوات برابطة الاحساس المرهف والشعور الفياض البريء المستمد من الفن.. كنت انظر اليه كطفل مدلل.. علمته النغم والمقام العراقي بكل زوزاياه، وعلمني الصبر والثقة بنفسي فاعادني الى الغناء بعد ان اعتزلته.. كان دافعي في الحياة.. وكنت السلم الخفي الذي صعد به طريق المجد.. وجاء من يتهمني بأني قتلت ناظم.. اتهمني الذين جاؤوا اليّ بعد موته يطالبون بساعته الذهبية ليضعها ابنهم في معصمه وتراب قبر ناظم لم يجف بعد؟!.ويقف الكلام في فمها وكأنها تحبس سرا في صدرها وتغير مجرى حديثها:-دعنا من حديث الالام ولنرجع الى الماضي ايام المجد وعزه ومن ثم اعود الى الحاضر لاروي شقائي مع الناس.. كان عام 953 يوم جاءت ام كلثوم الى بغداد لتعمل في ملهى (الهلال) في منطقة الميدان وهي مطربة مبتدئة بالنسبة الى سليمة باشا التي هي انا وفي حفلة خاصة احتضنت ام كلثوم العود واخذت تعزف واجدة من اغنياتي (قلبك صخر جلمود ما حن عليّ). وبدأت تغنيها وبعد اول مقطع منها توقفت من العزف والغناء والتفتت نحوي وابتسامة خجل ترتسم على وجهها وهي تقول (ياريت كنت اقدر اغنيها زيك) واخذ الحاضرون يصفقون مجاملة لها ولاشعارها انها اجادت الغناء وطلبوا منها في الحاح اكمال الاغنية ولكن ام كلثوم اكملت كلامها لي ان شاء الله بعد عشر سنوات يكون لي قوة حنجرتك واوتارها الصافية وبعدها اغني الاغنية بتاعتك وربنا يساعدني اغنيها كويس حتى ما تكونيش زعلانة مني) وبعد خمس سنوات سجلت ام كلثوم الاغنية على اسطوانة تجارية دون ان تأتي على ذكري او صلتي بالاغنية رغم اني بذلت جهودا كبيرة من اجل ان تتقن ام كلثوم لحن الاغنية؟!وتسكت سليمة مراد التي حصلت على لقب (باشا) بعد اربعة رؤساء وزارات في العراق.. وتطرق برأسها الى رسالة تلقتها من ام كلثوم قبل عشرين عاما وفيها تخاطب سليمة مراد (ستي سليمة باشا) وترفض اطلاعي على الرسالة.. وتمضي في حديثها:-لم اكن يومها بحاجة الى ام كلثوم لابني مجدي الفني فيكفي اني شغلت مئات العقول لسياسيين كبار.. وافرغت الكثير من الجيوب العامرة بسببي حتى ان البعض كان يأتيني بسندات ملكية عقاراته متوسلا بها ان يكون واحدا من عشاقي.. ومازلت اذكر التاجر الحلبي الذي ارسل لي من حلب اوراق تملك احد بيوته في الشام وعندما اعدت له الاوراق شاكرة باع البيت وارسل لي ثمنه؟!.. ولم اطلب الحب من احد بل كان المئات يسعون اليّ ويزحفون على ركبهم من اجل كلمة كاذبة يقولها لساني دون احساب من قلبي وهي (احبك) والتي قلتها مرات بلا احساس او شعور بل من اجل التسلية وجبر خواطر مئات العشاق المتيمين بحبي؟!.. وحتى الان لا ادري كيف حالفني الحظ والنجاح وحالف الفشل شقيقتي (مسعودة) التي شاركتني الغناء في البداية رغم انها اكثر مني جمالا وصوتها اكثر حلاوة.. كانت مرحة لاتعرف الهموم ولا تعير بالا للالام تضحك وتمرح ليومها.. وانا ابكي واتألم ليومي وللايام القادمة لاني لم اجد من يسعد قلبي رغم استعداد الالاف ان يكونوا عبيدا له.. وفي الوقت الذي كانت تسير فيه (مسعودة)، نحو الفشل والنسيان كنت اصعد انا سلم المجد والجاه، واحترقت هي في اضواء الشهرة التي احاطتني وانزوت في البيت منسية وجلست انا على قمة المجد دون مزاحم، اغسل بدموعي عرشي، باكية مع نفسي، وكان السبب في ان يكون الحزن طابعي في الغناء... وذات يوم فكرت ان اهجر الاضواء والمجد والشهرة والمال وانزوي في طيات النسيان مع بائع لبن او بائع دواليب الاطفال علّي اكون سعيدة مرة واحدة في حياتي.. كنت تعيسة في طفولتي وشقية في شبابي ومجدي وكان الله جلت قدرته اراد ان يعوضني في شيخوختي فبلل قطر الحب شفتي ثم عاد وايبس فوقها اخضرار حلاوة عمري عندما خطف مني ناظم الغزالي؟!!.وتنحدر سطور الدموع على خديها دون ان تقف في طريق كلامها الذي مضت فيه وحبات الدموع تتساقط مسرعة على فستانها الاسود الذي لف جسدها المتعب. -كانت في قلب ناظم لوعة كنت احس
في اخر حوار مع سيدة الغناء العراقي :سليمة باشا
نشر في: 17 فبراير, 2010: 04:36 م