adnan.h@almadapaper.net
الهجوم بالقنابل على مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية الليلة قبل الماضية هو، أولاً وقبل كل شيء، لا ينطوي على أي شجاعة أو بطولة.. إنه مما يُصنّف في خانة أعمال العصابات الجبانة التي لا تنشط إلا تحت جنح الظلام.
والهجوم هو، أولاً وقبل كل شيء أيضاً، عدوان على الدولة العراقية وسلطاتها وهيبتها وكرامتها وسيادتها، لأنه عمل خارج على قوانين هذه الدولة التي تُضار بأعمال كهذه أكثر مما يُضار مَنْ يستهدفهم عدوان كهذا.
والهجوم ذاته هو، أولاً وقبل كلّ شيء كذلك، استهتار بمبادئ الوطنية العراقية المنغمرة الآن بامتحان حاسم في الحرب المقدّسة ضد تنظيم داعش الإرهابي وفلول نظام صدام .. الآمرون بالهجوم ومنفّذوه إنّما وضعوا أنفسهم موضوعياً في صف داعش وحلفائه وفي خدمتهم بالمجّان.
حتى "زعاطيط" درابين المدن لا يُمكن إلا أن يربطوا بين العدوان على مقر الحزب الشيوعي في الديوانية وما حصل قبله بساعات داخل حرم جامعة الديوانية، عندما خرج مئات الطلبة يحتجّون على إقدام عناصر مسلحة على انتهاك الحرم الجامعي، وهو ممّا يحظره القانون العراقي صراحة، وجرى على هامشه الزجّ باسم الحزب من دون بيّنة أو دليل ومن دون تخويل بأن يأخذ المخطّطون والمنفّذون القانون بأيديهم عوضاً عن الدولة.
ولا يُمكن أيضاً الفصل بين ما حدث لمقر الحزب الشيوعي في الديوانية والحملة المتصاعدة من أطراف سياسية نافذة في السلطة (إسلامية على وجه الخصوص) ضد الحزب الشيوعي العراقي على خلفية مساهمته النشيطة في الحراك الشعبي المتواصل منذ أكثر من عشرين شهراً، والملحّ في المطالبة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتوفير الخدمات العامة وتحسين المستوى المعيشي للسكان الذين تتزايد بينهم أعداد العاطلين عن العمل والمتردية أوضاعهم إلى ما دون خط الفقر.
استمرار وتصاعد وتيرة الحراك الشعبي الذي اجتذب إلى صفوفه تياراً إسلامياً شيعياً مهماً، هو التيار الصدري، يُحرج الطبقة السياسية المتنفذة ( تتشكل أغلبيتها من أحزاب وجماعات شيعية) ويُفقدها التوازن، مع بدء العدّ العكسي للانتخابات البرلمانية والمحلية التالية.غير زعيم شيعي عبّر في الآونة الأخيرة عن تبرّمه حيال ذلك. وإذ يُشار إلى التيار الصدري تلميحاً في الحملة المناوئة للحراك، فإن عدداً من زعماء القوى المتنفّذة لم يتردّد عن التصريح باسم الشيوعيين والمدنيين عموماً. وفي إطار هذه الحملة جرت العودة الى نفايات التاريخ لتكفير الشيوعيين وسائر العلمانيين، مع أن قادة بعثيين اعترفوا علناً منذ أمد بأنهم والناصريين كانوا وراء القيام بأعمال مناهضة للعقائد والتقاليد الدينية وإلصاقها بالشيوعيين زورا،ً بعد ثورة 14 تموز 1958.
على مدى ثمانين سنة، عمدت حكومات عدّة وقوى كثيرة إلى محاربة الشيوعيين العراقيين وتنظيم المجازر الرهيبة في حقهم .. جميعهم ذهبوا إلى مزبلة التاريخ مجلّلين بالعار.. من بهجت العطية وسعيد قزاز إلى علي صالح السعدي وعمار علوش وخالد طبرة وناظم كزار.. وانتهاءً بصدام حسين وفاضل البراك .. الحزب الشيوعي بقي أيقونة وطنية زاهية الألوان، بأيادٍ بيض لم تتلوّث بأموال الفساد المالي والإداري ولم تتلطّخ بالدم العراقي، بخلاف أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة اليوم جميعاً.
جميع التعليقات 1
يوسف
ما حصل في الديوانية هو عيّنة صغيرة لما سيحصل في العراق بعد الانتهاء من داعش وعودة الفصائل المدججة بالسلاح الى المدن والاقضية والنواحي. سيتم اسكات كل صوت حر. وصحيفتكم الموقرة ستكون مُهددة أيضاً!! شكراً لمقالتك