ذات مرة ، قال لنا صحفي اجنبي في مقابلة معه خلال احدى المؤتمرات انه لم ير مدينة تتخلل " الخضرة " جميع تفاصيلها مثل بغداد ...المدن التي يعرفها مدججة بالكونكريت والطابوق والاسفلت وكل ماهو صناعي أما بغداد فمطرزة بالاشجار والنخيل وحدائق المنازل الجميلة ...
بغداد اليوم يتم اختيارها للمرة الثانية كاسوأ مدينة للعيش فيها بعد ان تقلص فيها اللون الاخضر العشبي وحل محله لون صبات الكونكريت وتناثرت فيها النفايات وتشابكت في سمائها اسلاك المولدات الكهربائية ...أهملت نخيلها وهجر البعض منازلها وحدائقها ..كانت بغداد قد شهدت بدخول الأمريكان مجزرة طبيعية حين تم قطع أشجارها واحراق جذوعها من قبل الجنود الامريكان عندما كانت تشكل عائقا امام عملية توفير الحماية لمقراتهم ...
بعد كل تلك السنوات التي أعقبت دخول الامريكان وسقوط النظام السابق ، مازالت الاشجار المقطوعة والمحروقة والمساحات الزراعية المهملة تذكرنا بكل ماجرى ومازال يجري ، فالأمريكان الذين أزالوا الاشجار وقتها لأنها تقف في طريق ترسيخ أقدامهم في مقرات ثابتة ، ربما سيعملون اليوم على ازالة أشخاص وجماعات وأحزاب وكتل وتشكيلات قتالية وكل من يقف في طريقهم لضمان بقائهم الى الأبد هذه المرة وفي قواعد ثابتة ومحمية ..
بغداد اليوم ليست الدليل الوحيد على ان العراق يسير وفق خطة امريكية مرسومة بعناية ففي كل محافظاته أدلة على انه يسير حثيثا نحو احتلال امريكي وفق اسلوب جديد ..أمريكا لن ترهق نفسها هذه المرة باستخدام السلاح وانفاق اموالها على الشؤون العسكرية وبالتالي مواجهة تحذيرات الكونغرس ورفض الشعب الأمريكي ، بل تترك الأحداث تصنع نفسها بنفسها ، فالتسقيط سيتعدى الاشخاص غير المرغوب بهم الى الاحزاب والمجاميع -الدينية منها خصوصا – وستسود المظاهر المسلحة اغلب المحافظات العراقية ان لم يكن لأسباب حزبية فلأسباب عشائرية اوبسبب نزاعات قومية ..محافظات أخرى مازالت تتلوى من الجوع والفقر والتشرّد وتنتظر انقاذها من داعش وإعادة اعمارها بمساعدة امريكية ..أمريكا تقف اليوم وراء ستار لتحرك الأحداث كما في مسرح العرائس ..توتر هنا ، وضربة كيمياوية هناك ..تصريحات نارية هنا ، ووعود ديبلوماسية كبيرة هناك ..انها لعبة السياسة القذرة وخير من يلعبها تلك الدول التي اعتادت ان تكون منتصرة وألا تفقد شيئا بل تكسب الكثير بعد كل جولة سياسية ...
في مايخصنا ، ربما لن نتفوق على الدول الباقية بكون عاصمتنا من أسوأ الاماكن للعيش فقط ، بل سنتفوق حتما بكوننا نمتلك الفريق الاسوأ والأكثر فشلا في لعبة السياسة القذرة ..
اسوأ.. بامتياز
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2017: 09:01 م