قامت المراسلة آنا هوليغان بزيارة بعض العراقيين الساكنين في "قرية الخيم" بالقرب من محطة القطار المركزية في لاهاي الهولندية، حيث أقام العشرات من اللاجئين العراقيين مخيما تعبيرا عن رفضهم قرار الحكومة الهولندية القاضي باعادتهم الى العراق. تقول هوليغان: قمنا بزيارة المخيم في ساعات الصباح الاولى. مجموعة من الخيم نصبت على العشب الهولندي المشذب بأناقة، تختلط ظلالها الكاكية بالاوراق المتساقطة من شجر الليمون لتشكّل ما يشبه الكولاج الموسمي.
قال عزيز - احد اللاجئين ممن استيقظوا مبكرا " نحاول البقاء داخل الخيم حتى يدفأ الجو". بدأ عزيز بتهيئة قهوة الصباح، فسكب الماء من دلو، وهبتهم اياه احدى الكنائس القريبة، في ابريق فوق المدفأة. ناولني عزيز قدحا مليئا بالقهوة السوداء قائلا: اهلا بكم. هؤلاء اللاجئون العراقيون يريدون ان يعرف العالم بانهم موجودون هنا.
هؤلاء الناس يعيشون في الوقت الضائع، حيث نفد تاريخ تأشيراتهم و هم الان بمثابة مقيمين غير شرعيين،. انهم يرمون النفايات على الارض كنوع من التحدي، رافضين العودة الى بغداد. يقول احدهم " سأموت ان عدت الى العراق".
يقول اخر " انا واثق باني ساتعرض للقتل على يد الارهابيين اذا عدت الى بغداد. لقد اتصلت بعائلتي هاتفيا دون ان القى جوابا، لا احد يعرف اين هي الآن، يقولون ان شارعنا مهجور. اذا كنت مسيحيا او مسلما من طائفة معينة فلا يمكنك العيش في بغداد". هذا الخوف يطارد اللاجئين العراقيين في سوريا ايضا، الا ان الحكومة الهولندية لا تنظر للأمر بهذا الشكل. يقول (فرانك واسنار) الناطق باسم وزارة الهجرة الهولندية " نحن نجري تقييمات فردية لكل حالة. القرار الذي نتوصل اليه مبني على دليل من سفارتنا في بغداد و من منظمات مثل العفو الدولية و غيرها من الوكالات المحلية في العراق بالاضافة للاستماع الى حكايات اللاجئين انفسهم".
استنادا الى آخر الاحصاءات فان 40-45 % من طلبات لجوء العراقيين في هولندا قد تمت الموافقة عليها. تقول الوزارة في السابق كنا نعيد المرفوضين الى بلدهم الا ان العراق اليوم يرفض اعادتهم قسرا. البعض يحذر من ان السماح ببقاء المهاجرين غير الشرعيين في هولندا سيثير ازمة اجتماعية. يقول جيرت توملو من الجناح اليميني " رأيتم ما حدث في اليونان خلال (الفجر الذهبي)، من المؤكد ان نفس الشيء سيحدث هنا". انه يشير الى حزب النازيين الجدد في اليونان المتهمين باعمال عنف ضد المهاجرين. يبدو ان تهديد عنف الشوارع لا يناسب سمعة هولندا كدولة ليبرالية. يقول السيد توملو " اعتقد انكم لا تصدقون ذلك، انظروا ما حصل مع النازيين – لقد تعاونا معهم، و اذا لم تفعل الحكومة شيئا بشأن هذا الموقف، فان الناس ستتصرف على طريقتها الخاصة. ان الاقتصاد يسوء يوما بعد يوم و لا يمكن للبلاد دفع نفقات هؤلاء اللاجئين غير الشرعيين بعد اليوم و الا فسوف نعاني كثيرا".
مرت 13 سنة منذ ان تم تهريب (بوان) الى خارج العراق مع عائلته على ظهر احدى الشاحنات عندما كان يبلغ الثامنة من عمره. انه اليوم في سن الحادية و العشرين و يتحدث الهولندية و الانكليزية بطلاقة. يقول " اخذني أبي و امي على ظهر شاحنة ثم على ظهر مركب عبر تركيا ثم الى اوربا. كان الامر خطيرا جدا حيث اعرف اناسا كثرا ماتوا و هم في الطريق "، لكنه مسلك لم يكن لأغلب العراقيين مفرا من السير فيه. يقول آخر رفض ذكر اسمه بانه دفع خمسة الاف دولار لمن قام بتهريبه مع زوجته و اطفاله الثلاثة، و اليوم تتلقى عائلته الطعام و المأوى من مخيم لجوء رسمي قريب. اما الذين رفضت طلبات لجوئهم فلا يشملهم الطعام او السكن الذي تقدمه الدولة. يصرخ عزيز قائلا " لقد رمونا في الشوارع مثل الكلاب، لكننا نفضّل الموت هنا في لاهاي على العودة الى العراق ". انهم يحصلون فقط على الرعاية الطبية اما الامور الاخرى فانها رهن بعطف بعض المتطوعين مثل السيد ادوين ايسمان الذي يتردد دائما على المخيم. يقول ايسمان " نجلب لهم الطعام و بعض الناس تجلب لهم الملابس، فليس من الصواب ان نتركهم دون رعاية، الشتاء قريب و لا اريد التفكير بما سيحل بهم حينذاك ".
داخل الخيمة يتجمع هؤلاء الرجال حول الوهج المنبثق من النار و هم يلعبون النرد (الطاولي)، و الموسيقى العربية تدور و دخان السجائر يتطاير داخل الخيمة.
يلعب عزيز و اصدقاؤه لعبة الانتظار في هذه المدينة التي كرست نفسها لترويج السلام و العدالة، و يأملون ان يجذب مخيمهم الانظار و الدعم، و يدعون ان يحنو عليهم قلب هولندا.
عن: توبيكس