نحييكِ يا ناهدة وأنتِ في مثواك الأخير كما حييناكِ بحرارة عندما ظهرتِ على خشبة المسرح لأول مرة في مسرحية أناثول فرانس (الرجل الذي تزوج امرأة خرساء).
نبكي حزناً لفقدانك كما كنا نبكي فرحاً بأبداعك. لقد كنتِ مثالاً للفنانة المخلصة لفنها والملتزمة برسالة المسرح التنويرية.
لم تكوني قد درست التمثيل في معهد أو جامعة ولكنك في تمثيلك للأدوار التي تعهد إليك أكثر صدقاً من الكثير من اللواتي درسن وقد كنا نعيشها كما فعلت في مسرحية ( الشريعة) ومسرحية ( المقاتلون) ومسرحية ( بيت برناردوا ألبا) وفي مسرحية ( النخلة والجيران) وفي الافلام التي شاركت بها ومنها ( من المسؤول) و( الضامئون) .
لقد اتخذت يا ناهدة من المسرح بيتاً آخر لك كما كانت زميلتك الراحلة ( زينب) وكلاكما وقفتما ضد قوى البغي والاستبداد وتعرضتما للملاحقة واضطررتما لمغادرة البلاد كما فعلت رفيقات ورفاق لكما ومنهم من غادرنا خارج الوطن ومنهم من تم اعدامهم داخل الوطن – دريد ابراهيم وماهر كاظم.
عندما انتميت لفرقة المسرح الحديث يا ناهدة كنت قد غيّرت نظرة الناس السلبية تجاه الممثلة وكانت زمليتك قديسة المسرح (ازادوهي ساموئيل) وصرت انت القديسة الثانية وجاءت من بعدكما قديسات أخريات.
برزت (ناهدة الرماح) كممثلة مسرحية وسينمائية في زمن كانت فيه عملة نادرة واثبتت في جميع الادوار التي مثلتها في المسرح والسينما والتلفزيون انها فعلا عملة نادرة، فأظهرت في ادائها موهبة فائقة اضافت لها دربة كافية باشتغالها مع مخرجين مقتدرين (ابراهيم جلال) و(سامي عبد الحميد) و(قاسم محمد) و(محمد شكري جميل) و(صاحب حداد) ولعل أهم ما يميز تمثيلها هو التلقائية وعدم التكلف والاصطناع.
تغربت ناهدة الرماح عن وطنها لسنوات ولكنها لم تفقد حبها لمواطنيها ولتكون معهم وتمتعهم بتمثيلها ولم يمنعها فقدان بصرها من أن تبقى حيوية كما كانت وحتى اللحظات الأخيرة من حياتها. لقد عانت الكثير في مراجعاتها للدوائر الرسمية من أجل الحصول على حقها التقاعدي والحصول على التعويضات المالية جراء استملاك دار سكناها عند تهديمه ليكون جزءاً من أحد شوارع بغداد.
ومقابل ذلك حظيت ناهدة الرماح بتكريم مؤسسة المدى للثقافة كما حظيت بحب العراقيين لها واحترامهم لفنها واستقبالها بحرارة كلما جاءت الى العراق في زيارة. وللاسف الشديد رحلت ولم تحصل على ما كانت تريد ان تحصل عليه من حقوقها.
برحيل ناهدة الرماح فقد العراق فنانة مضحية مخلصة لشعبها ولوطنها وفقد المسرح العراقي احد رموزه ومبدعيه الذين قد لا يتكررون. وسنبقى نتذكرها ونستعيد ذكرى أدوارها التمثيلية وكيف كانت تمتع جمهورها، بل وتدهشه احيانا. لقد كان رحيلها خسارة وخسارة مفاجئة لم نكن نتوقعها اطلاقاً، فقد كانت في ايامها الاخيرة نشطة رغم تقدم سنها ورغم فقدان بصرها وكانت رغم ذلك ذات بصيرة تُحسد عليها.
اطمأني يا ناهدة ستبقين في عقولنا وفي قلوبنا.
رثاء ناهدة الرماح
[post-views]
نشر في: 17 إبريل, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...