تنامت ظاهرة الجيوش الالكترونية في العراق حدّ انها اصبحت ميليشيا افتراضية يحسب لها حساب من كل الاطراف، واصبحت مصدراً للاثراء والوجاهة، تماماً مثل المليشيات الحقيقية.
عراقياً، بالامكان أعادة لحظة انبثاق "الجيوش الالكترونية" الى العام 2010، كجزء من حملات الدعاية الانتخابية التي لجأت اليها الكتل والاطراف السياسية وقتها.
واتسعت الظاهرة وبدا تأثيرها في الفضاء العام ووسائل الإعلام ملموسا خلال أعوام تصاعد الخلافات بين المالكي وخصومه بعد عام 2012. لكن ظاهرة الجيوش الالكترونية أخذت بالتنامي حتى وصلت الى شكلها الحالي قبيل انتخابات 2014 وما تلاها من مفاوضات انتهت باتفاق الاطراف الشيعية، بتدخل من مرجعية النجف، الى قطع طريق الولاية الثالثة على المالكي واختيار العبادي بديلاً عنه.
بعد احتلال داعش للموصل وجزء كبير من ثلاث محافظات عراقية، دخلت الجيوش الالكترونية مساراً مختلفا. اذ تم تشكيل مجاميع من الناشطين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملات لمواجهة جيوش داعش الالكترونية، ودعم الجيش والحشد معنوياً، والعمل على توسيع دائرة منظمات الاغاثة.
لقد شكّلت مرحلة داعش مناخا مناسباً لصناعة الجيوش الالكترونية بشكلها الحالي. ودخلت منظمات صحفية عاملة في العراق على خط تدريب الناشطين المدنيين وهواة الصحافة وتعليمهم مهارات التدوين، وقيادة الحملات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح لكل وزير ولكل مسؤول او نائب جيش الكتروني يدافع عنه، ويروج له، ويسعى للنيل من خصومه او منتقديه.
واذا كانت الجيوش الالكترونية، خلال الفترة الماضية، تخضع لقواعد اشتباك "غير مكتوبة"، وترتبط بمراكز قيادة وتحكم، إلا انها اليوم اصبحت منفلتة وباتت اقرب للمليشيات التي تهدد وتبتز وتعرض الخدمات بتسعيرة معروفة.
فالمدوّن على مواقع التواصل بات يشبه المسلح الذي لا يتقن سوى حمل السلاح. وكما يخشى من تحوّل المسلح الى بندقية للايجار، يخشى ايضا من تحوّل المدوّن ليكون عضوا في "ميليشيا افتراضية" يمكن تجنيدها ضمن مشاريع لزعزعة السلم المجتمعي وتشويش الرأي العام في مناسبات حرجة وحساسة، كالانتخابات والانتكاسات الأمنية.
لقد لعبت الجيوش الالكترونية في العراق دورا مدمراً لما تبقى من مصداقية الصحافة التقليدية. وبحكم سعة استخدام الهواتف الذكية، ومعدلات استخدام التواصل الاجتماعي بين العراقيين، فإننا أمام مجتمع افتراضي تتحكم به مئات الواجهات التي تديرها جيوش الكترونية منظمة وممولة وذات توجهات واضحة للتأثير على وعي المستخدم العراقي، ومحاولة تلقينه نمطاً معيناً من التفكير غير العقلاني الذي يسهل استثارته واستدراجه.
ومن على صفحتي في فيسبوك، تحدثت شخصيا عن ملامح هذه الجيوش التي باتت لها سطوة واضحة في العالم الافتراضي، تفرض معه جوا من الترهيب والقمع الفكريين. كما أشرت الى بعض التقاليد التي باتت تحدد حرية التعبير والتفكير، وهو ما دفع الكثير من الكتّاب والمثقفين الى اغلاق صفحاتهم والخروج من هذا العالم الذي تدور فيه رحى حروب افتراضية، وتسيل على صفحاته "دماء زرقاء".
ومع افتقار مدوني العراق الى منظمات او نقابات تشرف على كتابة "وثيقة شرف" او لوائح لضبط النشر، كما هو الحال في باقي دول العالم، فان الحاجة تفرض سن قوانين تحمي المواطن البسيط من آثار هذه المعارك، وتحصينه من محاولات التحكم عن بعد بوعيه وتفكيره.
وتبدو المهمة اصبحت اسهل مع تدشين وزارة الاتصالات بوابات النفاذ التي ستتيح السيطرة على هذه الفوضى الافتراضية وتنظيم عملها بشكل لا يخلّ بالحريات العامة والخاصة.
قانون للجيوش الالكترونية!
[post-views]
نشر في: 18 إبريل, 2017: 07:19 م