قبل أن تُلقي بك السيارة القادمة من بغداد في ساحة سعد، حيث كراج النقل العام بين البصرة والمحافظات، ستتلقفك أيدي وأفواه سائقي التكسيات، هذا يسألك وجهتك من المدينة، وذاك يأخذ حقيبتك الى سيارته، وآخر يعترض طريقك، يفرض عليك الركوب معه.. في فعل لا يمت للأخلاق بصلة، ولا ينم عن أداء حضاري، يُحترم فيه المسافر القادم من بعيد، والذي أثقل كاهله السفر. فعل مثل تجده في ساحة النهضة وتجده في كراج العلاوي وفي أماكن أخرى من مدننا، يجعلك على يقين بأن الخراب الذي تنتجه الطبقة السياسية بلغ شاوه في أدق مفاصل حياتنا.
سألتُ سائق السيارة "اليوكن": لماذا لا تضع هيئة النقل في كراج الموحد حداً لسلوك السائقين، الذين يتخطفون المسافرين، قبل دخولهم مبنى الكراج الرسمي، حيث لن يكون الراكب معلوماً عند إدارة الكراج؟ وهو غير آمن على حياته وحقائبه منهم، فقال لي: لن يستطيع أحدٌ في الهيئة منع أي سائق، من عدم الوقوف أمام الكراج وملاحقة الركاب، فموظفو الهيئة عرضة للتصادم مع هؤلاء، وحدثت مشاكل بين عشيرة السائق وعشيرة الموظف، مما أدى الى قبول الطرفين بحل معقول: هو أن يغض موظفُ الهيئة النظر عن أفعال السائقين أولئك، مقابل شيء من المال. فقلت: نحن، إذن، أمام مشكلة برأسين، الخوف من العشيرة وقبول الرشى !! يا إلاهي. الى أين
يسار بنا؟
بالامس، حين حطت الطائرة القادمة من مطار مشهد في مطار مدينة الاهواز، وهبط ركابها، كل الى وجهته، لم التق بمن يجرُّجرني بحقيبتي أو يعترض طريقي، إنما وقفتُ أمام كشك صغير، فيه موظف يدبر لك مرادك من الأرض، ومثل فعل من أفعال التمدن، أعلمني بأن الأجرة الى المركز الحدودي في الشلامجة، تبلغ كذا ألف تومان وأن المسافة بحدود الـ 160كلم، وأن السرعة المسموح بها على الطريق لا تتجاوز الـ 90 كلم ساعة. وهكذا حمل أحدهم حقيبتي الى سيارته، دون أن أسلمه توماناً واحداً، ذلك لأن الموظف هو من تسلم مني مبلغ الأجرة، ثم انتهى بتسليمي فاتورةً ممهورة، مبيناً فيها التفاصيل. سألت نفسي: الأهواز، مدينة فقيرة وغالبية سكانها من العرب، وهم على قدر قليل من الوعي بسبب من السياسة
هناك. !!!
حين نأتي على الخوض في تفاصيل كهذه، يكتب لنا البعض بأن القضية تتجاوز السياسة الى السلوك الشعبي، ويذهب غير واحد بقوله الى أن أساس المشكلة العراقية لا يكمن في سياسة الدولة والاحزاب الدينية الحاكمة، إنما في بنية السلوك العام للشخصية العراقية، هذه الشخصية المعقدة والمربكة في الوقت ذاته، وحين ننظر فيما حولنا، نجد أن رأي البعض، والذي يعيب السلوك عند البعض، لا يخلو من الصحة، لكننا لا نريد أن نتحامل عليهم، ونذهب الى ذكر معايب البعض والتعامل مع الآخرين، ولا نريد أن نقول شيئاً في الفضاضة عند البعض والتطاول والفضول والتطفل وعدم احترام الجار والاستقواء بأبناء العم والعشيرة واستلال ورقة الحزب الديني ونكران الجميل وإقصاء الآخر، والتفاخر بالمال والنفاجة في الأكل والملبس وما الى ذلك مما نعرفه ونلمسه عن قرب عند الكثيرين. إلا أننا نقول بأن الحد من ذلك كله يمكن أن ينظم بقانون، ونعتقد بوجود القانون له، لكننا نجزم بعدم قدرة الدولة على تفعيله، وهذا جوهر المشكلة.
السفر: المشكلة برأسين !!
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2017: 09:01 م